الحكمةُ وضعُ الشيء في موضعه، ويقابلها (الحُمق)؛ فهو وضع الشيء في غير موضعه، ومنها جاء تعبيرنا في العامية عن العصبي سريع الانفعال بـ(الحمقي)، فهو في أحوال عصبيته وغضبه يضع الأشياء في غير موضعها..
جاء عن أهل بيت العِصمة (عليهم السلام) في الأحمق والتحذير منه أنَّه “يريد أن ينفعك فيضرك”، بل وجاء عنهم (عليهم السلام) أنَّ موتَه خيرٌ من حياته!!
اتضح الآن أنَّ (الأحمقَ) ليس بالضرورة أن يكون عصبيًا حادَّ الطباع، بل قد يكون على العكس تمامًا إلَّا أنَّه عجول مشوش النظر ضيق الرؤى، وبالرغم من ذلك ينفعل ويفعل، فتأتي منه أفعاله حمقاء ذات أضرار عظيمة..
من ذلك -أيُّها الأكارم- التوصيفات والاستعمالات المجازية في غير محلِّها؛ ما يسبِّبُ بين الناس اضطرابات في الفهم وحُسن النظر..
مثلًا..
كلمةُ (الحصد) تُستَعمَل في الاتيان على المساحات الواسعة من الزرع بشكل تكون فيه المساحة التي تغادرها آلة الحصاد خالية من الزرع أو الثمر.. وإذا استعملناها في مورد لا يساوي أو ليس بقريب من هذا المعنى فإنَّنا بذلك نُشوِّه الأفهام ونُسقِم الوعي..
وكذا في الاستعمالات المجازية، فلا بدَّ من وجود المناسبة اللائقة والمسوغة للتجوز، لا مجرَّد وجود مشترك بين المعنى الحقيقي والمعنى الذي يراد التجوز فيه، فليس كلُّ مقدام شجاع يصحُّ استعمالُ لفظ الأسد فيه، ولا كلُّ حُبٍّ يصحُّ التجوز في وصفه بالجنون..
إنَّ توسعة الألفاظ في التوصيفات والتجوزات قد يكون من أخطر مظاهر (الحمق)؛ وخطورتها بسبب خفائها، بل قد تُعدُّ في الأنظار العامَّة حكمة وبلاغة!!
علينا أن ننتبه جيِّدًا، ولنفهم أنَّ الاستعجال بابٌ واسعٌ جدًّا لظهور الحماقة..
تاريخ المنشور: 15 مارس 2020 للميلاد