مشهدان واقعيان ووعي:
المشهد الأوَّل: أرى سجَّادةَ البيت نظيفةً جدًّا، ولكنِّي عندما أكنس وجهها بالمكنسة الكهربائية، ثُمَّ أنظر في كيس المكنسة أجد كومةً كبيرةً من الأتربة والأوساخ!
المشهد الثاني: عندما أوجِّه نظري وأركِّز حواسي في الكيس فالغالب أنَّني سوف أرى سجادة البيت فيه، وبالتالي لن أراها إلَّا قذرة، وربَّما استقذرتُ المشي عليها!
وقد أجرُّ إلى نظري كلَّ من أتمكَّنُ مِن حصره في الكيس، ومع شيءٍ من التلقين وتنويع الإيحاءات، فعن قريب سوف يرى الدنيا في كيس المكنسة ومن خلاله!!
في الواقع:
١/ لم تكن السجادةٌ قذرةً، بل كانت في وضعها الطبيعي جدًا، ولو أنَّني أُعيد كنسها فسوف أجد كومة أخرى من الأتربة والأوساخ..
٢/ ما فعلتُه بالمكنسة أنَّني جمعتُ الأتربة المتفرِّقة بطبيعتها وطبيعة الأشياء في مكان واحد، فبَدَتْ كثيرةً، وهذه هي المرحلة الأولى من التضليل.
٣/ عندما لا أرى غير كيس المكنسة، وأنصرف بنظري عن كلِّ ما هو دونه، ففي الغالب سوف أرى السجادة فيه، ولن أقبل بغير الحكم بقذارتها، وربَّما تعصَّبتُ ضدَّ أيِّ محاولةٍ تريد صرف نظري عن الكيس، وهذه هي المرحلة الثانية والمفصلية من التضليل، وعندها يعرض الضعف على الذهن وقدراته على التركيز.
٤/ يتحوَّل الأمر إلى شيء يشبه الأزمةَ النفسية، فأعيش هواجس الأخطار لو أنَّني رفعتُ نظري عن الكيس ولو للحظات..
هناك من يمارس هذه الاستراتيجية في التضليل وإضعاف الأذهان عن غير قصد؛ وذلك بعد أن تحوَّلت في بعض دوائر المجتمع إلى عقلية حاكمة خصوصًا في موارد الجدل وما شابه، ولذلك نرى من يتمكَّن من الترويج ونشر المعائب على أكابر الفقهاء من المتقدمين ومن تأخر عنهم، فالأمر سهل، ولا على (ذاك البعيد) أكثر من جمع عشر أو عشرين غلطة وزلَّة على أحدهم في مسيرة عشرات السنين، ويعلِّق عليها، ثُمَّ يطبعها في كتاب، وإذا بتلك الشخصية اللامعة تتحوَّل في الأذهان المُضَلَّلة وضعيفة التركيز إلى شيطان رجيم!!
وقس على ذلك الكثير الكثير الكثير ممَّا نشهده في حياتنا اليومية..
تاريخ المنشور: 12 مارس 2020 للميلاد