ما كان ينقصنا.. الأمرُ بالمنكر! ll مقال لسماحة الشيخ محمود سهلان

بواسطة Admin
0 تعليق


مقالات عاشوراء

قال النبي (ص): كيف بكم إذا فسدَ نساؤكم، وفسق شبّانكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟.. فقيلَ له: ويكون ذلك يا رسولَ الله؟!.. قال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا أَمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟.. قيل: يا رسول الله!.. ويكون ذلك؟.. قال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟… [قرب الإسناد].

قبل أيام قرأتُ مقالًا يطالب بتغيير لون العباءة للمرأة! حيث يرى كاتبُه أنّ اللون الأسود لا يتلاءم مع حرارة الجو عندنا، واقترح بعض الألوان تخفيفًا على النساء كما يقول، منها اللون الأبيض..

تحدّثتُ في مقالٍ سابق عن فظاعة جريمة تغيير لون العباءة وما سيترتّب عليه مستقبلا، فلست في وارد الحديث عن ذات الموضوع مجدّدًا، فقط أُشير أنّ النتيجة بالتدريج ستكون كالتالي:

ارتداء عباءاتٍ ملوَّنةٍ ومزخرفة ومفتوحة من الأمام كما هو الحال اليوم، ثم يكون من السهل خلع العباءة نهائيًّا وهو ما نراه اليوم، لكنه سيكون ظاهرةً مجتمعيَّةً في المستقبل القريب ما لم تُعالج، حيث أن العباءة ملونةٌ ومفتوحة والملابسُ ملونة وليست مستورةً بالعباءة كما ينبغي، فيترتب على ذلك سهولة التخلي عنها.

كما أُطمئِن الأخ صاحب المقال أن ما كتبه لم يكن يحتاجه أبدًا لأن الكثير من الأخوات لسنَ بحاجة لما خطّه لأنهنَّ تجاوزنَ ما يدعو له من زمنٍ بعيد، بل وتجاوزنَهُ بمراحل..

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان شرعيان بل هما من فروع الدين العشرة، وهما ممّا يَقوم عليه الدين ويصلح به حال المجتمع، كما أن بعض الأعراف الاجتماعية التي يتساهل بها البعض لا يقلّ الالتزام بها أهميةً عن الالتزام بالحكم الشرعي، خصوصًا وأن الكثير منها تؤدي للمهلكات عند التخلي عنها، حيث أن المجتمع يتبانى على عدة أمورٍ وتتكوّن ثقافاته عن طريقها، فيؤثر ذلك على كلّ تصرّفاته حتى مع تعاطيه مع الدين، كما أن بعض الخطوات تُعتبر مقدِّمةً لغيرها فلا يمكن اقترافها بل لا يجوز لما يترتّب عليها.

من الأمور التي ينبغي الالتفات لها من كافة أبناء المجتمع أن الواجبات الاجتماعية والأخلاقية لا تقل أهميةً عن الواجبات الشرعية، فلا يصح التهاون فيها، بل أجد أنها صارت اليوم ثغرةْ عبثَ عن طريقها العابثون في المجتمع وفي الأُسر، ودونك ما تراه من تخلي الأزواج والزوجات عن واجباتهم، وما يغذّيه البعض بحجّة أن هذا ليس بواجبٍ شرعًا..!!

إذا لمسنا العذر للكاتب سنقول له أنك قبل أن تنشر شيئًا كهذا، وتمسّ شيئًا بهذا الحجم بالنسبة للشرع ولمجتمعاتنا، كان ينبغي أن تتأمّل في الأمر أكثر، وأن تراجع بواعث كتابتك للمقال، فمثل هذا الأمر لا يمكن أن يُعبث فيه، خصوصًا في هذا الزمن الذي غلبت عليه الماديات والشكليات والانفتاح بل والانفلات، تحت عناوين الحرية وغيرها.

أقول صريحًا سواء كان الكاتب يقصد أم لا، هذا المقال كان أمرًا صريحًا بالمنكر، وقد يكون بغير قصد، وقد يكون بغير التفات، ولكن الطامة الكبرى إذا كان الأمر كما قال صلوات الله وسلامه عليه: “كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟!”.

أقول أن اعتمادنا في هذا الموضوع هو على وعي المرأة المؤمنة التي تلاحظ ما يحاكُ ضدَّها وضدّ المجتمع، والتي لا تدفعها الأنانيّة للإضرار بالمجتمع لحساب مصلحتها الظاهرية، حيث أنه لا مصلحة لها واقعًا من ذلك.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكِّلان الجدار الذي يحمي المجتمع المؤمن، فأهميتهما أكثر بكثيرٍ مما يتصوره أغلبنا، لذلك نجد تضييعهما من أشراط الساعة على لسان رسول الله (ص)، وكذلك نجد استغراب من كان معه من المسلمين عندما أخبرهم بما مرّ في كلامه الذي نقلته في بداية المقال.

في هذه الأيام نعيش ذكرى أكبر واقعةٍ للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي واقعة كربلاء التي قامت من أجل العودة بالأمة الإسلامية لجادّة الطريق، والتي لا زلنا ننهل من معينها في كلّ عام، بل في كلّ يومٍ من العام، فهي مداد لا يتوقف تستمد منها الأمة الخير والصلاح ليومنا هذا ولمستقبل الأيام حتى قيام الساعة.

انطلقتْ عاشوراء بكلمات سيدنا ومولانا الإمام الحسين (ع): “إني لم أخرج أَشِرًا ولا بَطرًا ولا مُفسدًا ولا ظالمًا، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام”[بحار الأنوار].

وقال أيضًا سلام الله عليه: “ألا ترون إلى الحق لا يعُمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقًّا حقًّا”[الملهوف].

هذه أيام الحسين (ع) التي نفخر بإحيائها، نفخر بانتمائنا لها وله، ترشِدنا نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كي تبتعد بنا عن الوقوع في ما حذّر منه رسول الله (ص)، لذلك فليكن إحياءً متكاملًا بإقامة الفرائض، والامتناع عن المحرمات، وسلوك طريق الحق الذي أراده الله تعالى لنا.

محمود سهلان
٣ محرم ١٤٤٠هـ
١٣ سبتمبر ٢٠١٨م
قرية العكر – البحرين

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.