مقالات عاشوراء
لقد حث أهل البيت عليهم السلام ووجهوا إلى أهمية البكاء على الإمام الحسين عليه السلام وجعلوا ذلك سبيلاً لغفران الذنوب وكسب الثوابِ بل والعتق من النار، حتى غدى ارتباط الشيعة والموالين بقضية الإمام الحسين عليه السلام ارتباطاً مغروزاً في عمق ضمائرهم ووجدانهم، فصارَ البكاءُ والحزنُ على فقدهِ عليه السلام وعلى ما جرى عليه وعلى من كان معه في كربلاء سمة متلازمة مع كل مؤمن ومؤمنة.
قال الحسين عليه السلام: (أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمنٌ إلا استعبر).
كما أنهم عليهم السلام قد وجهوا الشعراء لإنشادِ الشعر في الحسين عليه السلام، ليُبكوا الناس وينصبوا بذلك المآتم عليه، فعن أبي هارونَ المكفوف قال: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقال لي: أنشِدْني، فأنشدتُه، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:
أُمْرُرُ عَلى جَدَثِ الحُسَينِ * فَــــقُل لأعْظُمِهِ الـزَّكيَّةِ
قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: مُرَّ، فمررت، قال: ثمَّ قال: زِدني زِدني، قال: فأنشدته
يا مَريمُ قُومي فانْدُبي مَولاكِ * وَعَلى الحُسَين فأسْعِدي بِبُكاكِ
قال: فبكى وتهايج النّساء!! قال: فلمّا أن سَكتن قال لي: يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنّة ، ثمَّ جعل ينقّص واحِداً واحِداً حتّى بلغ الواحد، فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحِداً فله الجنّة، ثمّ قال: مَن ذَكرَه فبكى فله الجنّة.
فكان الشعراءُ ومازالوا يتسابقون في نظم المراثي في مصائبِ أبي عبدالله عليه السلام، منذ ذاك الحين، راجين من الله المثوبةَ ومواساة أهل البيت عليهم السلام بمصيبتهم، فكان علوّ القصيدةِ وعمقها الأدبي وبراعة سبكها يُظهرُ مدى ارتباط الشاعرِ بسيد الشهداء عليه السلام ومصائب الطف التي حلّت على أهل بيت العترة المطهرين عليهم السلام، وصارت تعكس وعياً يحمله شاعرها، وتهيّج حزناً وألماً في نفوسِ سامعها ومتلقيها، بل وتعكس كذلك الذوق الرفيع لمختلف شرائح المجتمع، مع اختلاف فئاتهم العمرية.
غير أنه ومع الأسف الشديد ظهر في الآونة الأخيرة عدد من القصائد والمراثي الحسينية – إن صحّ إدراجها ضمن ذلك- وانتشرَ عاكساً الانتكاسة الأدبية التي تعصف باللغة العربية، واختلال الذوق العام لدى شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع، كما وأنه يشيرُ في بعض القصائد إلى هبوطٍ مزرٍ ومؤلمٍ في ثقافةِ الشعراءِ والمستمعين بل وفي عقيدتهم أحياناً!
وليس هنالك من ينكرُ أن للألحان والأطوار التي تلقى بها القصائدُ دوراً كبيراً في جعلها مقبولة بل ومحببةً لدى فئاتٍ معينةٍ من الشباب والشابات، فكثيراً ما يسلبُ الطور وصوتُ الرادود وأداؤهُ ألبابَ المستمعين، وأحياناً ما يكونُ لهندامهِ ولباسهِ دوراً في ذلك، فيغفلون عن ما تحملهُ القصيدة في طيّاتِ أبياتها.
إن من المهم جداً أن نرقى بالقصيدة الحسينية دائماً، فنحن كمستمعين لا يقلُ دورنا شأناً عن دور الشعراء الذين ينظمون تلك القصائد، فكُلّما بحثنا لأنفسنا عن مراثي وأبيات رزينةٍ ذاتِ معاني عميقة وأقبلنا عليها، كسدَ سوقُ القصائد الهابطةِ شيئاً فشيئاً، وهذا إنما يعكسُ مقدار وعينا وثقافتنا وحرصنا الشديد على أن يكون أدبُ الطف أدباً خالداً يُظهرُ الفاجعة الأليمة بأسمى صورها وأنقاها، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول..
صادق جعفر
١ محرم ١٤٤٠هـ
بني جمرة – البحرين
1 تعليق
المرجع الشهيد محمد باقر الصدر يضيئ للعقول قبل القلوب : فيقول قدس سره ..
عمر بن سعد بكى عندما مرت زينب عليها السلام في موكب السبايا، في الضحايا، حينما اتجهت الى رسول الله ( ص) تستنجده أو تستصرخه أو تخبره عن جثة الإمام الحسين و هي بالعراء، عن السبايا و هم مشتتون،عن الأطفال و هم مقيدون، حينما أخبرت جدها بكل ذلك ضج القتلة كلهم بالبكاء !!
إذن البكاء ليس ضمانا، العاطفة وحدها ليست ضماناً لإثبات أن صاحب هذه العاطفة هو لا يقف موقفا يقتل فيه الإمام الحسين، أو يقتل فيه أهداف الحسين !
مجرد أننا نحب الإمام الحسين،مجرد أننا نزور الإمام الحسين مجرد أننا نبكي على الإمام الحسين، مجرد أننا نمشي لزيارة الإمام الحسين لا يكفي و ليس ضماناً و دليلا لكي يثبت أننا لا نساهم في قتل الإمام الحسين!
يجب ان نحاسب انفسنا، يجب ان نتأمل في سلوكنا، يجب أن نعيش موقفنا بدرجة اكبر من التدبر و العمق و الإحاطة و الانفتاح على كل المضاعفات و الملابسات، لكي نتأكد من أننا لا نمارس من قريب أو بعيد بشكل مباشر أو غير مباشر قتل الإمام الحسين ( ع) !
*السيد الشهيد محمد باقر الصدر*
{ قدس الله سره }