لماذا كل هذا الحب؟!.  ll مقال لسماحة الشيخ طلال عبد الحميد الجمري

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحم الرحيم

والصلاة والسلام على صفوة الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين

في كلِ عامٍ تتجدَّدُ ذِكرى المولى أبي عبد الله الحسينِ عليهِ السَّلام في أيامِ عاشوراء، فترى الحال غير الحال، ونجدُ تحولاً سريعاً غريباً معلناً الحُزنَ والتأثرَ على هذا المُصابِ العظيم لتلك الشخصية العظيمة، فالشوراع تتجلَّل بالسوادِ والكلماتِ والمواعظِ، والناسُ يُوَجِّبون على أنفسِهم لبسَ السوادِ إعلاناً للحزن والمواساةِ لمحمدٍ وآل محمد صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين

كما تتحوْل المظاهر الخارجية يجب أيضاً أن تتحَوْل الجواهر في النفوسِ والقلوبِ، وإن كان التحولُ وقتياً كما في الظاهرِ من لباسٍ وغيرهِ مقتصراً على عشرةِ عاشوراء وبعدها تعودُ الناس لسابقِ عهدها، فالتحوْل الجوهري أو الباطني يجب أن يكون هو الهدف الرئيس وينبغي أن لا يكون تحولاً وقتياً كما هو لبس السواد، بل يجب أن نحافظَ على ما نكسبه في هذه الأيام العظيمة والفيوضات الربانية والنفحات الحسينية طوال العام لتبقى أيام عاشوراء هي تجديدُ ولاءٍ وبيعةٍ ونكتبُ في صفحات أعمالنا عهداً أن نبقى ونُبقي هذا التحول في قلوبنا وأنفسنا وينعكس تلازماً في أخلاقنا وتعاملنا وكلامنا دائماً وأبدا.

إن تقديرنا وحبنا للحسين عليه السلام يجب أن يُترْجم إلى واقع في نفوسنا، لا يقتصر على مظاهر تحدها عشرةَ أيامٍ فقط، بل يجب أن يكون همنا الشاغل هو تقديرنا لتضحيات الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته صلوات الله عليهم، وإن لم نكون بقدر التقدير لتلك التضحيات الجسام، ولكن لابد أن نكون على الطريق، أمَّا النتيجة فبيد الله وحده تبارك وتعالى.

لنجعل حبنا للحسين في أيام الحسين شاهداً علينا في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون، لنكن من أصحاب الحسين عليه السلام حتى لا يجد فينا تمادياً في الغي ولجاجة في العداوة بين بعضنا، ولنجعل من هذه الفاجعة العظيمة إمتحاناً لنا بين طريقين؛ طريق العدل والفضيلة والمعرفة والسعادة الأبدية، وطريق الغي والشقاق وقسوة القلب والنفاق.

دعونا نجعل من تلك الفاجعة التي وقعت على محمد وآل محمد ووقعت على الدنيا بأسرها فاجعة اهتز لها عرش الجبار وبكت عليها الحيتان في البحار وأدمت قلوب الصغار والكبار، سبيلاً للعدل والفضيلة ومرشداً ودليلاً لقلوبنا وأخلاقنا لصغيرنا وكبيرنا.

دعونا لا نؤطر الحسين عليه السلام وتضحياته في الإطار السياسي فقط، أو في الإطار الظاهري فقط وأقصد هنا مظاهر الحزن والأسى.

لقد توجَ الحسينُ عليه السلام الدنيا بتاجِ الكرامة، وأي كرامة إن لم يكرم الإنسان نفسه ويبدأ بطريق تحولات عظيمة بِعِظَمِ المصاب على الصعيد الفكري والأخلاقي والإجتماعي، فقد أنطلق الحسين عليه السلام وهدفه مواجهة الإنحراف وأي انحراف؟ ليس الإنحراف في النظام السياسي فقط بل أوله وأشرفه هو انحراف الإنسان فكرياً وأخلاقياً وعقائدياً.

لقد جاء الإمام الحسين عليه السلام  لينقل هذا الهدف، هدف الإصلاح وهو العنوان الأعم من الإصلاح السياسي الى ذروة المواجهة، وليعلن الثورة على الظلم، كل الظلم، ليس ظلم الحكم وحسب، بل كل أنواع الظلم وأولها ظلم الإنسان لنفسه، مستعيداً بذلك سيرة جده رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم ، طالباً للإصلاح في أمته، ضارباً أروع الأمثلة للتضحية من أجل المبادئ والقيم والأخلاق.

خلال أيام عاشوراء الحسين عليه السلام  تتجلى مظاهر الحب الحسيني عند كل محب وموالي، فكل فرد منا يعلن عن حبه للحسين بالمشاركة في المواكب، المشاركة في الخدمة ولبس السواد حزناً على الحسين وحباً له وغيرها من مظاهر الحزن والأسى، إلا أن هذا الحب ينبغي، بل يجب أن لا يبقى حباً ظاهرياً نابعاً من العاطفة وفقط، وإنما ينبغي أن يتعدى ذلك وينطلق من البواطن والجواهر إلى الوعي لينتج حباً ولائياً صادقاً واعياً متغيراً نحو الإصلاح، إصلاح النفوس والقلوب والأبدان لكي نستطيع من خلال ذلك إصلاح الأوطان.

لماذا كل هذا الحب دون أن نقف وقفة صدق مع أنفسنا لتغييرٍ مع الله أولاً وأهل البيت عليهم السلام ثانياً ومع أنفسنا وصولاً إلى الأخرين.

والحمد لله رب العالمين

طلال عبد الحميد الجمري

2 من المحرَّم 1440 للهجرة

بني جمرة – البحرين

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.