مقالات عاشوراء
قصة الطف قصةٌ مؤلمةٌ و حزينة ، هي مصيبة لم يحدث مثلها مصيبة من شدة هولها و عظمها ، مصيبة بكت عليها السماء و الأرض ، مصيبة أقرحت جفون أئمتنا عليهم السلام ، مصيبة تُبكي إمامنا وسيدنا صاحب الزمان كل يوم بدل الدموع دما ، مصيبة ما إن تحل في كل عام حتى تسود أجواء الحزن و الحداد في كل مكان ، لكن مع ذلك فإن هذه القصة تحمل في طياتها حكايات و حكايات و كل حكاية منها يُستلهم منها العبر و الدروس و المواعظ ، و إن كل شخص من أصحاب الحسين عليه وعليهم السلام له حكاية يستفاد منها الكثير و الكثير و نحن في هذا المقام نتوقف قليلاً مع حكاية الحر الرياحي عليه السلام.
بدأت حكاية الحر الرياحي عندما التقى بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق و كانت مهمته أن يأخذ الإمام ويُسلمه الى ابن زياد حتى أنه جعجع بالإمام و من معه ، ومن ينظر الى هذا الموقف يقول إن الحر من ألد أعداء الإمام الحسين و كيف له أن يُوفق ليكون ناصراً من أنصار الإمام الحسين عليه السلام ، و لكن في ظرف ساعة من يوم العاشر تبدلت المواقف و أصبح من كان عدواً للحسين ناصراً و صاحباً له وعائداً الى طريق الحق يطلب التوبة من سيد الشهداء عليه السلام ، ما الذي جعل الحر الرياحي يتوب و يترك جيش الكفر و النفاق ويذهب الى جيش الإيمان و يختار طريق الحق على طريق الباطل و يفوز الفوز العظيم ؟ الجواب هو *التفكر*.
نقطة التحول في حكاية الحر كانت عندما وقف قائلاً : *إني و الله أخير نفسي بين الجنة والنار* فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت و حرقت و أخذ فرسه و التحق بالإمام الحسين عليه السلام معترفاً بذنبه و طالباً للتوبة ، و كأني به يوم العاشر وهو واقفٌ يخاطب نفسه : كيف أقاتل من جده رسول الله صلى الله عليه واله وأبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وأمه الصديقة الكبرى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وكيف أقاتل من قال رسول الله صلى الله عليه واله فيه وفي أخيه الحسن المجتبى عليه السلام هما سيدا شباب أهل الجنة ؟ وكيف أقاتل من قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله حسين مني و أنا من حسين ؟ ساعة التفكر هذه جعلته يتخير بين الجنة والنار و أبعدته عن طريق النار الى طريق الجنة ومن هنا تعتبر حكاية الحر الرياحي مصداقاً لقول أئمة أهل البيت عليهم السلام: ” تفكر ساعة خير من عبادة سنة ” ، فلو افترضنا والعياذ بالله أن الحر عليه السلام استمر مع جيش يزيد وشارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام وبعدها عبد الله الى آخر عمره هل يا ترى تقبل منه هذه العبادة و يداه متلطختان بدم سيد الشهداء ؟ هل كان سيوفق للعبادة أصلاً لو شارك في هذا الفعل ؟ طبعا لا يوفق و التاريخ شاهد على أنه لم يوفق أحد ممن شارك في قتل الإمام عليه السلام لا لتوبة ولا لعبادة بل تعجل لهم العذاب في الدنيا قبل الآخرة و عذاب الآخرة أشد و أبقى. من هنا نكتشف قيمة التفكر وكيف أن أئمتنا عليهم السلام يحثوننا على أن نتفكر في الأمور لا أن نسير و كأننا آلاتٌ مبرمجة على أفعال معينة قد تقودنا هذه الأفعال للهلاك ، هناك العديد من الأمثلة التي تبين لنا قيمة التفكر فعلى سبيل المثال شخصٌ لا يؤمن بوجود الإله فيتفكر في هذا الكون و مابه من عجائب فيعيد النظر الى عقيدته فيهتدي الى وجود صانع لهذا الكون ومنها يهتدي شيئاً فشيئاً الى طريق الحق ، و مثال آخر شابٌ يسلك طريق المعاصي والآثام فيتفكر في الموت و كيف أن الموت هادم اللذات والشهوات فيبتعد عن هذا الطريق الى طريق العبادة والطاعة ومنها الى الجنة والرضوان.
نهاية حكاية الحر هي أن تفكره في ساعة جعله من الذين قال فيهم الإمام الحسين عليه السلام: “فإنِّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي”، نهاية حكاية الحر هي أنه صار من الذين لا يبدأ مجلس من مجالس عاشوراء إلَّا وقلنا يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما، هكذا يعلمنا الحر الرياحي أن التفكر هو السبيل الى العبادة الحقيقية والسبيل الى الفوز العظيم والسبيل الى الجنة وجوار محمد وال محمد عليهم السلام. فتفكروا.
محمود العرب
٢٥ ذو الحجة ١٤٣٩ هـ
٦ سبتمبر ٢٠١٨م
بني جمرة – البحرين