بحثت طويلاً عن تعبيرٍ لفظيٍ أدونهُ في مقالة هذا الأسبوع فأظهر به ما أريد إيصاله لك – أيها الموالي الكريم – من غير أن اكون سبباً في جَرْحِ مشاعرك ولكنني – وللأسف – لم أنجح في بحثي، بل وحتى لو وجدت اللفظ المطلوب فلربما كان هدوئُه مانعاً من ترجمة حرارة قلبي إلى معانٍ حقيقية تسكن وجدانك فَتَعِيها كما هي صادقةٌ وجلةٌ من حالٍ مؤلمٍ ومستقبلٍ موحشةٌ معالمُهُ.
الآن وجدتها، إنها آيةٌ قرآنيةٌ مقدسةٌ تحملُ بين معانيها الشامخة قاعدةً كليةً تدعم ما أريد قوله وتبين خطوطه.
إنها قول الحق (تعالى): (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)
يالها من آية عظيمة تُبطل مفعول كم هائل من حقن التخدير وجرعات التتويه التي نتلقاها منذ قرون من الزمن ونحن في حالة استسلام غريبة أخذت بتلابيب فكرنا الناضج في محاولات مستميتة لتسخيفه وتحويله إلى قوالب هذيان مقيتة.
(وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، فهل يكون من الحكمة في شيء أن نعير عقولنا (لأكثريتهم) والحال أن (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)؟
هنا كانت الغلطة الكبرى عندما جعلنا الدين موضوعاً لأشخاص، والتدين عنواناً مقالته تيارات وأحزاب.
تلك هي السقطة التي نحاسب آخرين عليها ونحن وقعنا فيها بكامل رضاً وتمام عافية.
إنني في هذا الخميس الأول من شهر رجب الأصب أدعو أخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات لقراءة القرآن والعترة بعين القرآن والعترة لا بعين الحزب والفئة، وأرجوهم أن يفصلوا روح التدين وأصل الالتزام عن الأشخاص والمحافظة على واقعيته التي يجسدها أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، وهذا لا يعارض وجود الصادقين المخلصين الأتقياء من علماء مذهب الحق والفرقة الناجية، إلا أن ما أريد التركيز عليه هنا هو ضرورة إرجاع كلام أي إنسان كان (غير المعصوم) إلى كتاب الله (تعالى) وحديث العترة الطاهرة، فهذا هو المقياس الوحيد للحق الذي نرومه دائماً وأبداً.
إن هذا الطرح الذي أتشرف به يعني أنك قادر على استلهام معان الحياة وقوانينها مباشرة من القرآن العظيم وأحاديث أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) مباشرة ودون وصاية من أحد؛ وهذا واضح جداً من قوله (تعالى): (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، فبمجرد أن تكون من طلاب الهداية فاعلم بأن القرآن حاضر لقيادتك والأخذ بيدك إلى حيث رضا الله (تعالى) وعناية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وهذا قد لا يروق لبعض من يعيشون على عاطفتك ويقتاتون ثمن دمعتك فتراهم يحرمون عليك حقيقة التأمل والتدبر فيخيفونك بأن هذا ضرب من التفسير بالرأي، ومن فسر برأيه كان مقعده النار… وإلى آخر قائمة التخدير الأحمق والتتويه التجهيلي المقصود، ومشكلتنا هي ركون النفس الخاملة لمثل هذه المقالات ليس لشيء غير أنها تهوى السلبية وتعشق إعارة عقولها للغير، ولذلك نمت هذه الحالة حتى أصبح دعاتها أكثرية في المجتمع، ولكننا نقول وبكل حزم وإصرار (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)…. أخي المؤمن، أختي المؤمنة …
فلنعاهد الله (تعالى) على أننا لن نسمح لأحد كائن من كان أن يستخف بعقولنا ويبعدنا عن منابع الفكر القرآنية. ودمتم في توفيقات الله (جلَّ شأنه).
السيد محمد علي العلوي
2 رجب الأصب 1430هـ
25 يونيو 2009