اصطفت القلوب قبل الأبدان، وارتفعت الأرواح مكبرة قبل ان تحاذي الأكف الآذان فكانت ليلة طغت فيها الرغبة وقفزت النيات من الصدور لتعانق كل ذرة في المسجد معلنة إحياء المؤمنين لليلة الرغائب العظيمة، وهي –كما تعلمون- تلك الصلاة الروحانية التي يقيمها المؤمنون في أول ليلة جمعة من شهر رجب الذي تُصب فيه الرحمة صبا حتى سمي بالأصب.
في تلك الليلة التقت حروف الذكر على ألسن المصلين فرددت الحمد والقدر والتوحيد في أجواء تباهت فيها الملائكة بالمؤمنين فاندحر الشيطان وجنوده كلهم خاسئين، فكان الدليل الأعظم والبرهان الأكمل على أننا لا نزال بخير ولا زالت ضمائرنا تهفو إلى جنات العبادة وروضات الذكر والتسبيح.
من هناك، من بين جدران المسجد انطلقت رسالة الوعي الإيماني لتخبر الدنيا بأننا شيعة الكرار علي قد دخلنا معسكر الإعداد للشهر الفضيل الذي يفصل بيننا وبينه أيام شعبان المعظم، فقد كانت ليلة الرغائب هي الظرف الذي احتوى رسالتنا المقدسة ولم يبقى علينا اليوم إلا استثمار تلك الليلة الرائعة حتى نبدأ بالفعل في صناعة تاريخ جديد يشع بنور الهداية والرشاد على بصائر القرآن العظيم وتجليات السيرة المباركة لأهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فكيف هو الاستثمار؟
أحبتي ..
في ليلة الرغائب كان لتراص الصفوف معنى، ولترديد القراءة بصوت واحد معنى، وللركوع والسجود معاً معنى، ولوجودنا جميعاً في مكان واحد قربة إلى الله (تعالى) ألف معنى، ففي تلك الليلة كنا الأقوى في كل العالم دون منازع، ومن أقوى منا ونحن نصر ونؤكد ونردد مرات ومرات ان الله (سبحانه) هو رب العالمين وهو مالك يوم الدين وهو الأحد الفرد الصمد؟؟
من أقوى منا وكلنا رددنا ذكر القدر وعظمتها بنزول الملائكة والروح بإذن الله من كل أمر؟
أوليس الله (عز وجل) يقول في كتابه الكريم: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، فبان أن الكثرة لا تساوي شيئا أمام الإيمان؛ إذ ان قلة المؤمنين يؤديها الله (تبارك ذكره) فيكثرهم بملائكة من السماء ليكونوا قوة حقيقية لا تجاريها قوة في هذا العالم الداني، وهذا ما كنا بصدده في ليلة الرغائب التي وفقنا الله (تعالى) لإحيائها بكل جد ونشاط فكانت مشهودة من الملأ الأعلى –إن شاء الله تعالى-.
أيها الأخوة الأكارم، أيتها الأخوات الجليلات..
كانت بداية الطريق نحو حركة إصلاحية حقيقية في مجتمعنا المنظور ينبغي لنا مواصلة الخطى حتى نلقى الرغائب في العام القادم ونحن في الطليعة على خط التمهيد لدولة الحق المباركة لعلنا نتشرف بحمل راية للقائد المظفر إمامنا بقية الله الأعظم المهدي المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).. فهل نستثمر تلك الليلة العظيمة؟؟
لا أشك في روحيتكم الوثابة دائماً..فلكم عهدي وأنتظر عهدكم.
السيد محمد علي العلوي
9 رجب الأصب 1430هـ
2 يوليو 2009