قف قليلاً .. أغمض عينيك .. سد سمعك .. لا تفكر في شيء أبداً ..
الآن انظر إلى داخلك وابحث عن نفسك التي أتعبتها مشاكل الحياة وأنهكتها هموم الذنوب وغم المعاصي حتى تدارت بإيمانها تحت ركام دار البلاء فكان من نتائج ذلك أن ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ومن حقك في وقفتك أن تسأل عما كسبت الأيدي واقترفته حتى كان هذا الفساد والإفساد.
تأمل أيها الموالي في كتاب الله العزيز ثم ارجع بنظرك إلى حال الإنسان وهذا الكم الهائل من الخروقات التي ينتهك بها قوانين السماء في هذه الأجواء التي غابت خلف أتربتها معالم النفس اللوامة، فانقلب من جراء ذلك المعروف منكراً، والمنكر ومعروفاً.
إنني هنا وفي موقف التأمل هذا أكتفي بذكر حالة خرق واحدة من جملة الحالات التي تدمر الروح الإيمانية فينا وفي مجتمعاتنا المُستهدفة، وهي حالة الشفقة التي أخذت الإنسان عندنا لبذل الغالي والنفيس لتغذية كلاب النار!!
تأمل هذه الرواية لتعرف المعنى جيداً، فقد قَالَ الإمام الحُسَيْن (عليه الصلاة السَّلام) لِرَجُلٍ إغْتَابَ عِنْدَهُ رَجُلاً ” يا هَذا كُفَّ عَنْ الغِيْبَةِ فَإنَّها إدامُ كِلابُ النَّار “.
إن هذا الخرق قد حول مجتمعنا إلى ساحة دموية تسيل فيها دماء الأبرياء بعد أن كشر بعضٌ عن أنياب الغيبة وأخذ في تقطيع لحوم البشر متناسياً قول الحق –تعالى-: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)، وليت مشكلتنا في هذا البعض لكان الأمر هينا، ولكن المصيبة في اختفاء النهي عن هذا المنكر الكبير حتى أن من لا يغتاب بلسانه صار معيناً على الغيبة باستماعه!
أما الأثر فهو أننا بدأنا خطوات متسارعة نحو فقدان الثقة في بعضنا البعض؛ والسبب هو أن من يغتاب شخصاً أمامك فهو يغتابك أمام غيرك، وبالتالي أصبحنا نعيش أجواء من الخيانة حتى فقدنا الثقة في فكرة الصدق والإخلاص، فما سبب تفشي هذه الرذيلة المدمرة؟
إنه الضعف وعدم القدرة على تحقيق إنجازات حقيقية وعجز على المساهمة في تغيير الواقع، وإنه الإفلاس وقلة البضاعة، وإنه مرض نفسي يدمر صاحبه والآخرين بمعول الحسد وظلمة القلب، وهذا كله لا ينبغي أن يطرق قلب شيعي أحب حياة التدين لقربه من أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). فلنعاهد الله (تعالى) على محاربة الغيبة أينما كانت وبأي شكل كان.
السيد محمد علي العلوي
25 جمادى الأخرى 1430هـ
19 يونيو 2009