معالجةُ الحمل (التطور) في نظرية داروين

بواسطة Admin
2 تعليقات

لن تتوقف النظريات العلمية، وغير العلمية -إن صحَّ أطلاق اسم (النظرية) عليها- عن التوالد ما دام الإنسانُ ناظرًا ومفكرًا؛ فهي جبِّلةُ الخلق البشري، غير أنَّ الزمن يبتلع بعضها ثُمَّ يُخرجها فضلات ربَّما يكون لها بعد حين ذاكر، وفي قبال هذا البعض يثبت بعضٌ آخر أساسًا تُبنى عليها نظريات ومعارف، وفي قبالهما بعضٌ ثالث نظنُّه اندثر، وإذا به يعاود الانبعاث من جديد!

من النظريات العلمية المؤثِّرة في العلم الحديث، والتي تعتبر من ركائز علم الأحياء التطوري، نظرية (التطور) لعالم التاريخ الطبيعي والجيولوجي، البريطاني: تشارلز روبرت داروين (1809 – 1882م)، ومُلخصها: رجوع الأحياء إلى خلية واحدة، مرَّت بمراحل هائلة من التطور، بداية بانقسامها في خليتين، ثُمَّ تحولها إلى مخلوقات ذات خلايا متعدِّدة، فظهرت الحيوانات من حشرات وزواحف وثَدِيَّات وما إلى ذلك..

فالنظرية تقول برجوع الأحياء إلى أصل واحِدٍ، ويُرجِعُ داروين خصوصيات هذا التطور إلى مبدأ الاصطفاء، أو الانتخاب الطبيعي، وهو ما يُعبَّر عنه بـ(النشوء والارتقاء)، أي أنَّ الإنسان المُتطور عن غيره، لن يكون إلَّا إنسانًا؛ إذ أنَّ عملية الانتقال الحي من طور إلى طور ليست عملية عشوائية، بل هي خاضعة لقانون الاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي. هذا المبدأ من مرتكزات معالجتنا للحمل، وهو ما سوف يتضح عن قريب إن شاء الله تعالى.

إذا ما خُلِّي البحث العلمي التجريبي المادِّي والقوانين المُستنبطة من تحولات المادَّة، فَمِنَ المستبعد جدًّا أن ينتهي إجمالًا إلى غير ما انتهى إلى داروين، وإنَّما يحدث الفارق الجوهري فيما لو تجاوز النظرُ حُدودَ مظاهر وتحولات المادَّة إلى البحث في القوانين التي تقف وراءها؛ وهي ما عبَّر داروين عنها بالاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي دون أن يبحث في أصله العِلِّي، والحال أنَّه جهة الإحكام لما يأتي من بعده.

تتكفَّلُ هذه الورقة ببيان هذا البُعد من أبعاد الإبداع الخَلْقِي، وبه تُقوَّم النظريات، فيُردُّ منها ما لا يستقيم معه.

  • مُقدِّمة:

تَحَرَّك تشالرز داروين مُتَعمِّقًا في أبحاثه بعد وقوفه على حقائق وجودية مشتركة بين الأحياء، ترجع إلى وحدة الخلية، ولا شكَّ في معلولية هذه الحقيقة لعلَّة أوجدتها، وبالبحث والنظر توصَّل إلى أنَّها: التطور.

  • نسأل هنا:

ما هي الحقيقة الوجودية لنفس قانون التطور الذي قرَّره داروين في بُحُوثِهِ؟

  • بِعِبَارَةٍ أُخْرَى:

سؤالنا عن القانون بما هو قانون، أي: المسار الوجودي الذي يحمل هذا القانون؛ إذ أنَّ نفس التطور ولو بمقدار ما يقع في آنٍ واحد، يُحقِّقُ بينًا يتوسط طرفين، أحدهما قبل حدوث التطور، والآخر بعده، ويستحيل أن يكون تطورًا؛ لوقوع الدور؛ فهذا البين يُفتَرضُ أن يكون عِلَّة حدوث التطور؛ كونه جُزءًا من القانون، ولو قلنا هو تطور، فيكون محتاجًا في حدوثه إلى نفسه، وهو محال.

  • تفصيل:

فلو تطوَّر (أ) إلى (ب)، فإنَّ (أ) سَلَكَ مسارًا قبل تحقيقه لـ(ب). يقع الإشكال في تحديد ماهية هذا المسار؛ فهو وجودي لا محالة، ويدور بين كونه من الأحياء أو لا.

فإن كان من الأحياء، فإمَّا أن يكون هو (أ)، فلن يحدث الانتقال، وإمَّا أن يكون (ب)، فلم يكن (أ)، ولا يأتي الكلام عن انتقال أصلًا، أو أن يكون غيرهما، فإن كان علَّة التطور، والفرض كونه وجوديًا، دار الأمر بين حاجته لِمُطَوِّرٍ غيره فيتسلسل، وبين كونه هو المُطَوِّر، وهذا دور، وكلاهما باطل.

وإن لم يكن من الأحياء، فلا مفرَّ من كونه مجانِسًا للمتطور قبل تطوره وبعد تطوره، وإلَّا فلن يتحقَّق التطور مع فقدان المجانسة؛ فهي المُحقِّقة للتطور. فإن قيل بخروجها عن الأحياء، فُقِدَتْ جهة المُجانسة بين (أ) و(ب) المُحقِّقة للتطور، فلا تطور!

  • حلُّنا لمشكلة الاشتراك بين الأحياء:
  • الماهية والوجود:

ماهيَّة الشيءِ حقيقتُه، وهي وجودٌ عِلْمِيٌّ صِرف، يُظهِرُه عروضُ الوجُودِ المُظهرِ عليه، وأمَّا قبل العروض، فهو عِلمٌ في نشأة لا يحتاج فيها إلى ما يُظهِرُه، ولو لم تكن الماهية هي الحقيقة المعروضة للوجود المظهر، لاستحال الوجود.

بيانُ وجه الاستحالة:

لازم وجود الموجود أن لا يكون محض عدَمٍ مطلقًا، ولكنَّه يكون عَدَمًا في نشأة خاصَّة، كعدم الإنسان في نشأة الدنيا قبل ظهوره فيها، ولو كان عَدَمًا مطلقًا لمَا وُجِدَ مُطلَقًا؛ والسببُ في ذلك:

العدم المطلق لا يُخرَجُ منه، بل لا يصحُّ قول: مِنه؛ إذ أنَّ دلالتها وجودية. فيكون القول بالوجود من العدم المطلق قولًا باجتماع النقيضين.

وهنا وجهٌ آخر:

الانتقال من العدم إلى الوجود، على فرض القول به، يلزم منه البين، بين العدم والوجود، ولازم ذلك أن يكون هذا البين وجوديًا. فما هي ماهية هذا البين؟

إمَّا أن تكون عدمًا، وهو خُلفٌ، أو وجودًا. وإن كانت وجودًا، فإمَّا أن تكون غير الوجود اللاحق، أو نفسه، فإن كانت نفسه أو غيره، رجع نفس الإشكال. فَثَبَتَ أنَّ الموجودَ موجودٌ في كل نشأة بحسبها.

  • إشكال:

قد يقال: لازِمُ كلامكم قِدَم المُمكِن، فإمَّا أن يكون هو الواجب، أو واجِبًا آخر، وكلاهما باطل.

  • دَفعٌ:

أصلُ هذا الوجود عِلميٌّ، وأمَّا التحقُّق الفعلي الخارجي فمِن العِلَّة المتوسِّطة، وبذلك لا يَرِدُ إشكال القول بقِدَم العالم. وهذا ما بيناه في غير مكان.

  • الأصل المُشتَرك بين الأحياء:

توقَّف داروين عند الاشتراك الجودي المادِّي، وهو الخلية، فلم يجد بُدًّا من القول بالتطور أوَّلًا، وبالاصطفاء والانتخاب ثانيًا، ولكنَّ فَهْمَ الوجُودِ الماهوي يأخذ النظر إلى حقيقة أبعد من الوجود المادي الذي توقف عنده داروين.

  • بيان:

تَظْهَرُ الأشْيَاءُ بِعُرُوضِ الوجود على ماهياتها، وهذه الماهيات مرتبطة ببعضها البعض ارتباطًا جنسيًّا حقيقيًّا، وهي موجودة فعلًا، ولا يمكن عروض التطور عليها؛ لما بيَّناه قبل قليل، وأمَّا الاشتراك فهو اشتراك ماهوي حقيقي.

مِثالٌ توضيحي:

بين الإنسان والجسم الجامد مجموعة من الماهيات، منها ما عَرَضَ عليها الوجود المُظهِر، فظهرت، ومنها ما لم يعرض عليها فلم تظهر في هذه النشأة، ومن المهم الإشارة هنا إلى وحدة العِلم، وهذا التكثر فيه يرجع إلى الوحدة الأصيلة رجوع الفرع إلى أصله، وإن شئتَ فقل: هو من عروض الوحدة على الواحد مفردًا ومكرَّرًا.

ومن هنا، فإنَّا نقول:

إنَّا في عالم الإدراك، في هذه النشأة، في دائرة الإثبات، شُغلنا الاستدلال طلبًا للكشف عن الواقع، وننطلق في ذلك من المُدرَكات الظاهرة، ولا يظهرُ للحواس إلَّا ما عرض عليه الوجود المُظهِر. والحق أنَّ ما لم يعرض عليه الوجود المُظهر موجودٌ ماهيَّةً، وهذا الموجود الماهوي مرتبط بوجودات تتقدمه وأخرى تتأخر عنه، ومنها ما عرض عليه الوجود المُظهِر، ومنها ما لم يعرض عليه، وهذا هو البين الذي أوقع داروين في القول بالتطور على نحو الاصطفاء الطبيعي. والحال أنَّ الموجود يستحيل إن يرجع في أصله إلى غيره، فيُقال: تَطَوَّرَ مِنْ كذا إلى كذا.

ظَهَرَ أنَّ القول بالتطور راجِعٌ إلى عدَمِ إدراك القائل به إلى البين، أو الفجوة، أو الفرجة الوجودية بين كلِّ شيءٍ والآخر، بل وافترض اتِّصال الأحياء اتصالًا ماديًّا، دون إدراك منه إلى ظرف هذا المظروف، وهو الحي المُتَّصِل، ولم يُفرِّق بين الماهية ووجودها الخاص، والماهية ووجدها المُظهِر في نشأة الظهور.

أُنَبِّهُ هنا إلى خطأ التفريق بين البحث المادِّي التجريبي وبين البحث الفلسفي؛ إذ أنَّ هذا الأخير قِوامُ الأوَّل، والتفريق بينهما لا بدَّ وأن ينتهي إلى نتائج مبتورة عن الحقيقة. فتأمَّل.

 

السيد محمَّد علي العلوي

28 ربيع الأوَّل 1439 هجرية

مقالات مشابهة

2 تعليقات

علي يوسف 20 مارس، 2018 - 1:24 م

عزيزي
ان نظرية التطور قامت على بحوث علمية وآلاف التجارب المخبرية التي أكدت صحتها حتى ان جميع المنظمات العلمية العالمية بلا استثناء تقر بصحتها
عزيزي
ان كلامك رغم احترامي لجميع الاطروحات ولكنه لا يرقى الى البحث العلمي المختبري فلا يمكنك ان تواجه النتائج المخبرية بأطروحات فلسفية
عزيزي
اذا عندك شي على نظرية التطور أرجو ان تطرح البحوث العلمية المختبرية وتواجه بها المنظمات العلمية المتخصص فنحن لسنا ذو تخصص في هذا المجال، وانت تعرض تجاربك المخبرية على المنظمات وهو يشوفونها وقرون مدى كفائتها
عزيزي
المشكلة إنكم حين تطرحون آرائكم لا توجد عندكم ولا تجربة علمية واحدة وتريدون من الناس ان يخضعوا لكم ويصدقون ما تقولون وهذا ما لا يمكنكم ان تحصلوا عليه

رد
Admin 20 مارس، 2018 - 9:46 م

شكرًا لاهتمامكم..

لا نطلب من أحدٍ أن يخضع لنا.
أطرح ما أطرح من جهة فلسفية، ولستُ ملزمًا بالبحوث المخبرية، فمن أراد هذا فهو، ومن أراد ذاك فشأنه، وعلى أيَّة حال فإنَّ ما يطرحونه لا يرقى إلى المرتبة العالية للبحث الفلسفي.

لك خالص التحية والتقدير.

رد

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.