نعلم جيدًا بأن دولة الحق والعدل والإنصاف والمساواة وتمام العقول، لا يقيمها إلا صاحبها القائد المطلق إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): “إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم”[1]، ولا شك في أن لهذا الحديث الشريف دلالة واضحة على عموم العدل في كل مفاصل الحياة وهذا ما يقتضيه جمع العقول وكمال الأحلام، وفي هذا الشأن عشرات الأحاديث العتروية الصحيحة، كما وأن لنفس الحديث دلالة أخرى على أن ثمة مجاميع من الناس يستفزهم ذكر الإمام المهدي (عليه السلام) ودولته الظافرة، بل وتضيق صدورهم من أي حديث يتعلق به (صلوات الله وسلامه عليهم) فعدله وإنصافه ومساواته بين الناس كلها أمور تسلب الظالمين والجائرين وأهل الغي دنياهم المترفة ليرجع معيار التفضيل بين الخلائق للتقوى والورع (أكرمكم عند الله أتقاكم)، ولذلك تجدهم من أشد المحاربين لمساعي الخير والعدالة والإنصاف، وتشتد حربهم ضراوة إذا كان حراك المطالبين منبعثًا من عقيدة راسخة بوجوب التمهيد المستمر لدولة القائم المنتظر (أروحنا فداه)؛ فالعقيدة منطلق ثابت لا يتغير أبدًا، وهذا يعني استحالة هزيمة ما ينبعث منه أو عنه، خلاف ما إذا كان المنطلق من اختراعات الإنسان الناقصة والمتغيرة.
ولذلك فإن تمسكنا بعقيدتنا الثابتة في الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ووجوب التمهيد الدائم للدولة النورية يلازمه أن نكون دائمًا هدفًا لسهام أهل الدنيا من الظالمين والمنافقين ومن على أضرابهم، فمن الطبيعي جدًا أن تكون دعوتنا للدولة المهدوية جريمة عندهم وتهمة، فهم لا يفهمون بأنها دعوة لن تتوقف حتى قيام القائم (أرواحنا فداه) ولا علاقة لها بكون السلطة القائمة قبل ظهوره عادلة او جائرة، إنها دعوة تشكل بالنسبة لنا فلسفة حياة عقائدية كاملة، ولكن المحزن جدًا أن تجنح جماهير من إخواننا المؤمنين لرد (تهمة) الدعوة لدولة الإمام المهدي (عليه السلام) وكأنها جريمة (سياسية) لا يرتكبها إلا السذج!!
أبدًا لا أشك في مهدوية هؤلاء الأخوة المؤمنين، ولكني أقطع بأن في الأمر شبهة نحتاج أن نلتفت إليها والتخلص من تبعاتها سريعًا، فسلامة قلب إمامنا عندنا أهم من رضا الثقلين.
فلندقق قليلًا في الآيات القرآنية التالية:
- (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
- (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).
- (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).
أولًا: الولاية في أصلها ظاهرة إلا في موارد التقية، واليوم يعلم العالم بطوله وعرضه بأننا شيعة إمامية إثنا عشرية لا نفهم من الولاية إلا ما أفاده قول الله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، ولا نقر ما خرج عن هذه العناوين الثلاثة، فلا معنى عندنا لولاء الوطن والأرض وما نحو ذلك، هذا إن أردنا الغلبة والنصرة في ميادين الجهاد الإيمانية.
ثانيًا: من هم المجاهدون والمهاجرون في سبيل الله تعالى؟ أليسوا هم أصحاب الولاية الذين تضطرهم مواقفهم العقائدية إلى الجهاد والهجرة؟ وهل هذا الاضطرار ليحصل لولا إظهار الولاية؟ بالطبع لا.
ثالثًا: هل يُستَضعَفُ من يتكتم على عقيدته؟ بعيد هذا جدًا، فالمستضعف هو ذاك الذي يواجه الباطل بدافع من عقيدة ثابتة راسخة لا تتزلزل أبدًا، ولذلك يأتي الجور بباطله وماله الحرام ليستضعف المؤمنين الثابتين على إيمانهم.
من هنا يظهر لنا بأن التمسك بخط الولاية الحقيقية وهي تلك الممتدة من الله تعالى إلى الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) عبر المعصومين وعلى رأسهم الرسول الأكرم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) هو السبيل الوحيد للفوز برضا الله تعالى وتحقيق النصر الحقيقي تمهيدًا لأن نكون ممن يتشرفون بخدمة صاحب الأمر (أرواحنا فداه)، أما إذا كان أبناء الطوائف الإسلامية الأخرى يستفزهم ذكر الدولة المهدوية، وإذا كان الرأي العام الدولي يرفضها ويخافها، فهذا في الحقيقة راجع إلى نفسياتهم المأزومة وعليهم هم معالجة ما يعانون منه؛ فنحن لا نهدد أحدًا من أهل الحق أبدًا، ودولة الحق المهدوية لا تطرد الإنسان طالما أنه يحترم الإنسانية ومطالبها، فلم الإنزعاج إذن؟
إن صدقتم ما نقول فنعمت وأكرم، وإن رفضتم تصديقنا فهذه مشكلتكم لا مشكلتنا وعليكم حلها لا علينا.
أقول لإخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات: لا تغلبوا للحسابات السياسية على الحسابات العقائدية، خصوصًا ونحن في زمن لم يعد فيه شيء خافيًا، وهديتي في ختام المقال لكم حديث شريف:
عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: “إياكم والتنويه، أما والله ليغيبن إمامكم سنينًا من دهركم ولتمحصن حتى يقال: مات، قتل، هلك.. بأي وادٍ سلك؟ ولتدمعن عليه عيون المؤمنين، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الايمان، وأيده بروح منه، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدرى أي من أي.
قال المفضل: فبكيت ثم قلت: فكيف نصنع؟
قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال (عليه السلام): يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟
قلت نعم،
فقال: والله لامرنا أبين من هذه الشمس”[2]
موقفنا: إننا نسعى للتمهيد لدولة الحق المهدوية في داخل أنفسنا وفي أسرنا وقرانا ومدننا ومجتمعاتنا صغرت أو كبرت، ولا علاقة لهذا السعي إلا بغيبة الإمام (عليه السلام)، فسواء كنا في دولة عدل أو في دولة ظلم فنحن –إن شاء الله تعالى- في سعي دائم ومستمر لتعبيد الطريق أمام قائدنا المظفر المهدي بن الحسن (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
السيد محمد علي العلوي
11 من ذي القعدة ١٤٣٢هـ
12 أكتوبر ٢٠١١م
[1] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 25
[2] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 336