لماذا؟
المرأة مخلوق جواهري رائع في مختلف أبعاده.. مخلوق ملؤه حياء، عفة، عطف وحنان.. المرأة مخلوق إذا ما راعيناه فإنه يتحول بقدرة رب عظيم إلى طاقة عطاء لا حدود لها، من بين أحشائها يخرج العالم والحكيم والثائر الناهض بالمبادئ والقيم الصادقة، ولولا طبيعتها الأنثوية الراقية لما بقيت في هذه الدنيا إنسانية تذكر، ولذلك فإنها حين تهجرها تتحول بقيادة الشيطان إلى مستنقع تفوح منه روائح القذارات الصدَّامية والقذَّافية وما شاكل..
لأنها المرأة الحيية العفيفة الخجولة في عمق عطائها فإننا لا نمشي في عجزها حفاظًا على طبيعتها الجواهرية الفريدة، بل إننا نستعظم المشي حتى إلى جوارها إلا بمسوغ من قرابة دم قريبة أو عقد شرعي يشهده الله تعالى وملائكته، وإن أردنا تخطيها فلا بد من رابط بيننا وبينها وإلا لضاع المجتمع بتغييبها.
إذًا، لا بد من عقد واضح المعالم يؤهلنا للمشي معها جنبًا إلى جنب على طريق البناء والعطاء.. تلك هي المرأة وهذا هو الحق يشبهها حتى كأنه هي..!!
الحق جواهري الوجود عفيف العطاء حيي التواصل، كله عطف وحنان على أهله وأصحابه الذين ما إن يقصدون المشي في عجزه حتى يبادره الشعور بالخجل والحياء فتتحادر الدموع على وجنتيه أسفًا.. أما إذا قصدوا استباقه فلا شك في أنهم يتيهون في دنيا اللاقيم فلا مهرب حينها من الهلاك، لذا فإنه لا طريق غير عقد وعهد نعلنه أمام الله تعالى مع الحق كما هو دون تدخل من توريد خدود أو تحمير شفاة، فمثلما أن المرأة أكملها الله عز وجل بجمال لا نظير له، كذلك الحق يكفيه جمالًا أنه من أسماء الله تبارك ذكره، وأي شرف يضاهي شرف التعلق بخالق الخلق جل في علاه؟
نريد الحق.. نطلبه.. نعشقه.. لا نريد غيره ولو كان وزنَ أحد جواهر وذهبا، ولذلك كان القرار بالقيام في وجه الباطل ناهضين بصورام العلم والمعرفة قاصدين بقر بطنه في محاولة جهادية لن تتوقف حتى نخرج الحق بعد أن عمد الباطل لابتلاعه بالنفاق والتملق والتقمص، وأسوتنا في ذلك قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): “وَأَيمُ اللّهِ لأَبقُرَنَّ الباطِلَ حَتّى أُخرِجَ الحَقَّ مِن خاصِرَتِهِ”.. فأين نجدك أيها الحق العظيم؟
إن من أولى خطوات التأسيس لقاعدة حق راسخة إعلان عدم الاعتراف بالباطل وتجنب مخالطته إلا في موارد ضيقة عرَّفَنَا بها قرآننا المجيد والعترة الطاهرة من آل بيت محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ومن مصاديق ذلك عدم التحاكم عند أي جهة طاغوتية وتحت أي عنوان كان..
يقول المولى تبارك في علاه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا).
ولهذا التأصيل ثقافة ممارستها ضرورة لا جدال فيها ولا مماحكة، وهي ثقافة إعلان الولاء الحقيقي لمن امرنا الله تعالى بموالاتهم، ونعرفهم من نصين قرآنيين واضحين، الأول: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، اما توضيح مساره ففي الثاني وهو: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).
وفي زمن غيبة مولانا الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) فنحن مأمورون بامتثال قوله (عليه السلام): “ فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ،فللعوام أن يقلدوه”، فهي نيابة خاصة يتشرف بها الفقهاء المراجع (أدم الله عز عمائمهم) عمائم النور.
على هذا الخط تثبت أقدامنا وتتعالى هاماتنا عزًا وكرامةً، كيف لا وهو الإثبات الأوحد لقولنا في كل صباح (اَللّـهُمَّ اِنّي اُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَ ما عِشْتُ مِنْ اَيّامي عَهْداً وَ عَقْداً وَ بَيْعَةً لَهُ في عُنُقي ، لا اَحُولُ عَنْها وَ لا اَزُولُ اَبَداً).
هذا هو الحق الذي يبينه القرآن الكريم وسيرة المصطفين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) إن نحن وافقناه بعقد واضح لا لبس فيه ولا التفاف فإنه يتحول في حياتنا إلى شمس متوهجة بالخيرات والبركات التي لو بذلنا الأرواح والأموال والأبناء لما حصلنا على عشر معشارها وإن ساندنا كل العالم طولًا وعرضًا.
فلنراهن على الموقف كما راهن عليه أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) فخلدوا رغم أنف الكارهين.
السيد محمد علي العلوي
28 من ذي القعدة 1432هـ
26 أكتوبر 2011م