المرورُ و(عَصْرُ) المُخَالفَات.. وظاهرة (الوشم)

بواسطة Admin
0 تعليق

مرور

المرورُ و(عَصْرُ) المُخَالفَات.. وظاهرة (الوشم)

يبدو أنَّ إدارة المرور في البحرين قد اتَّخذت بعض الإجراءات المشدَّدة، وربَّما غير المسبوقة، في التعامل مع المخالفات المرورية مثل السرعة وتجاوز الإشارة الضوئية الحمراء، وما نحو ذلك. استعملت الجهة المختصة أداتين رئيسيتين في رصد المخالفات، الأولى هي التواجد الشخصي في بعض المواقع، فيقف رجل المرور ممسكًا بدفتر وقلم ليرصد نوعًا خاصًّا من المخالفات مثل الانعطاف لليمين أو اليسار من غير المسار الصحيح، وأمَّا الثانية فهي اللاقطات التصويرية الآخذة في الانتشار بشكل ملفت، إلى درجة أنَّ الإفلات منها أصبح صعبًا جدًا؛ فالمخالف يقع في توثيق الثانية إن لم تضبطه الأولى، والثالثة إن لم تضبطه الثانية، وهكذا على نفس الشارع.

على إثر هذه الإجراءات ظهر بعضُ الانزعاج الشعبي تعبيرًا عن الامتعاض والرفض لمثل هذه القوانين التي تستنزف المواطن ماديًّا، وانقسم هذا البعض إلى قسمين، أمَّا الأوَّل فيبدو منه الرفض لأصل التشديد في قوانين المرور، في حين أنَّ الثاني، وإن كان لا يبعد عن الأوَّل كثيرًا، إلَّا أنَّه قد ركَّز رفضه في دائرة تقنينات يراها خاطئة، مثل رصد السرعة عند تجاوز الإشارة الضوئية ضمن ظروف غير واقعية بالنسبة للحركة المرورية، ومثل تغير لاقطة الرصد في نفس لحظة تغير الحدِّ الأقصى للسرعة المسموحة بها على نفس الشارع، فيقع الكثير من السواق مخالفين نتيجة هذا الدخول المباشر في السرعة الجديدة دون ترك مساحة بين خطي السرعة الأولى والثانية.

ذَكَّرَتنِي حالة الانزعاج هذه بمقالة جميلة كتبها الأستاذ (إكسير المحبَّة) بعنوان: قلب الحقيقة وعكس المفاهيم[1]، تحدَّث فيه عن رفض البعض للحدود والقصاص في الشريعة الإسلامية، فيقول: ما دمتَ لست بسارقٍ ولا معتدٍ فما شأنك وحكم السارق؟ “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” المائدة-الآية ٣٨.

هل من ضرر يقع عليك؟ سواء كان قطع اليد أم تجاوز ذلك لقطع الرأس! أليس يحميك حكم كهذا؟“.

تعب المجتمع كثيرًا من السوَّاق المستهترين بمختلف صنوفهم؛ فكل واحد منهم يتصرَّف في الشارع وكأنَّه من بقيَّة أملاكه، فلا يحترم السرعة ولا المسارات والإشارات الضوئية..

يريد التجاوز بسرعة تفوق السرعة المسموح بها، فيلصق سيارته بالسيارة التي أمامه، ولو أنَّها توقفت لأي سبب مفاجئ، فإنَّه يصدمها لا محالة…!

يدخل على المسارات يمينًا ويسارًا دون أدنى اعتبار للآخرين!

ينعطف يميًنا من المسار المخصَّص لسلك الطريق المستقيم، ويسارًا من المسار المقابل، وكأنَّ الذين يقفون في المسار الصحيح (حشرات) لا قيمة لانتظارهم!

وطبعًا لا حرمة على الإطلاق لمسار الطوارئ المفصول عن مسارات الشارع باللون الأصفر، فهو عرضة لانتهاك الرجال والنساء دون فرق أبدًا، فأصبح المساران ثلاثة والثلاثة أربعة، والنتيجة اختناقٌ في رأس الشارع؛ إذ ينقطع مسار الطوارئ فيُجبر سالكوه على الاندماج في المسارات الأصلية، فتنشأ مشكلة الازدحام والضيق!

يعلم الجميع آدابَ الشوارع والأهمية البالغة لاحترامها وتقديرها، وطالما أُطلِقت حملات توعوية وإرشادية للتنبيه على ضرورة التزام قوانين المرور، وهذا فضلًا عن ما نعيشه من مآسي نتيجة المخالفات المرورية، فكم فقدنا وكم توجَّعنا بسبب استهتار هذا ولا مبالاة ذاك؟!

ولا من مجيب..

الآن وقد شُدِّدت العقوبات وفُعِّلت قوانين المرور، ارتفعت الأصوات معترضة وتحاول توجيه الأمر لعناوين معينة..

لا يهم من جهة أمن الشوارع وآداب المرور، سواء كان قرار تشديد العقوبات سياسيًا أو اقتصاديًا أو غير ذلك، فبكلِّ بساطة: لا تخالف، ولن تدفع. فلِمَ كل هذا الانزعاج؟!

يقال: ليس من المعقول المخالفة على تجاوز السرعة بما مقداره (10 كليو متر/الساعة).

أقول: ومن أين جِئتْ بعدم معقوليته؟ التزم تحت هذه (10) ولن تدفع.

يقال: اللاقطات التصورية غير دقيقة.

أقول: ناقش هذه المسألة، واعترض عليها. أمَّا نفس تشديد العقوبات على المخالفات المرورية، فهو أمر صائب تمامًا، أتدري لماذا؟

لأنَّه، ويا للأسف، لا نستقيم إلَّا بأحد أمرين: المال، أو العقوبة.

فلو قيل: تُصرف 100 دينار شهريًا لكلِّ سائق يحافظ على سجله المروري خال من المخالفات، لالتزمنا!

ونلتزم أيضًا عند الوعيد والتلويح بالعصا!

لماذا؟

لماذا نُوصِلُ أنفسنا لمثل هذه المستويات الدنية التي لا تناسب شعبًا له تاريخ حضاري عزيز؟

الكلام في هذا الأمر يطول، فالمخالفات لا تخصُّ الشارع فقط، بل حتَّى ما يضيفه البعض على سياراتهم من أجهزة لتضخيم صوت المحرِّك، وإخفاض للسيارة عن المستوى الطبيعي، وغير ذلك من تصرُّفات تحتاج إلى دراسة علمية نفسية جادَّة..

في الختام أقول:

قد يستقيم الناس على صراط آداب المرور، ولكنَّ التورم المرضي سوف يظهر في جانب آخر؛ والسبب أنَّ التجاوزات المرورية هي في الواقع انعكاس لواقع ثقافي متراجع، له عدَّة انعكاسات. فمن يريد إصلاح الحال عليه دراسة الواقع الثقافي وتقييمه ووضع الحلول لرفعه والارتقاء به..

وإلَّا فعدد الشباب الذين يلونون أجسامهم بالوشم الأخضر والأحمر والأزرق في ازدياد!  

 

[1] http://www.ertiqabh.com/?p=3415

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.