مراجعة لسماحة الشيخ أبي الحسن عليِّ بن صالح الجمري على كتاب (المدارس الفلسفية في العصر الإسلامي) تأليف سماحة السيد كمال الحيدري.
الكتاب: المدارس الفلسفية في العصر الإسلامي
المؤلّف: سيد كمال الحيدري
الصفحات: ١٥٢
المطبعة: مؤسسة الهدى للطباعة و النشر- بيروت
سنة الطبع :٢٠١٣م- ١٤٣هـ
أصل الكتاب :
في الحقيقة إنّ أصل الكتاب هو عبارة عن مقدِّمة مهّد بها المؤلِّف شرحه على كتاب بداية الحكمة للعلامة الطباطبائي الموسومُ -أيّالشرح- بـ دروس في الحكمة المتعالية و يقعُ الشرحُ في جزئين كلّ منهما لا يقلّ عن ٥٠٠ صفحة، و ميزته من حيث هو كتاب أنّه بقلم المؤلّف لا تقريرٌ لأبحاثه كما عُهد ذلك عنه
و لا تتجاوزُ المقدّمة في أصلها ١٠٠ صفحة – بحسب الطبعة الثالثة لدار الفرقد من مجموعة آثار العلامة الحيدري-
و غاية ما هنالك أنْ أُضيفَ لها مقدّمة و تمهيد و خاتمة مع فهارس خاصّة.
موضوع الكتاب:
المدارس الإسلامية الفلسفية من حيث منهجيّة البحث عن الرؤية الكونيّة.
غرض الكتاب: بيان أنّ علماء المسلمين على اختلافهم متفقون على حجيّة الدليل العقلي في مقام إثبات الحقائق للآخرين.
مباحث الكتاب:
- مقدمة : بيّن فيها غرضه و ما سيحاول الوصول إليه مع التأكيد على أهمية المنهج المعرفي في تحديد المقولات الفلسفية و العقائدية.
- تمهيد: أهمية البحث الفلسفي و الحاجة إلى دراسته : توسّل المؤلف لبيان ذلك بـ ثلاث أمور:
١ـ بيان حقيقة الانسان و فرقه عن باقي الموجودات
٢- بيان المشكلة الأساسية التي يعاني منها الإنسان
٣- بيان الحاجة إلى تكوين رؤية كونية
- مقدّمة منهجية :
ميّز فيها المؤلف بين البحث على مستوى الكشف عن الحقائق و بين البحث على مستوى إثبات الحقيقة للآخرين و اعتبر اختلافهما معياراً للانبثاق خمس مدارس فلسفة في العصر الإسلامي
- المدرسة المشّائية:
الخلفيات و المكوّنات العامة: أوضح ثلاث خصائص عامة لها:
(١) اعتماد المنهج العقلي في تحقيق المسائل سواء في الحكمة العملية أو النظرية.
(٢) الاهتمام عموماً بالميتافيزيقا و خصوصاً بالإلهيات.
(٣) محاولة ربط الفلسفة بالقضايا الحياتية للإنسان و مثّل بأنّ سقراط أوّل من اهتم بالقضايا الأخلاقية.
و من ناحية منهجيّة تعرّض إلى أنّ الفلسفة المشّائية على مستوى الإثبات والثبوت تعتمد العقل
و بيّن أنّها -بشكلٍ عام- تقِفُ موقفاً سلبياً من المكاشفة و الشهود و ذكر أنّ موقفها من الشريعة -كما ما يردده البعض – هو عدم العناية لا بمطابقة الشريعة و لا مخالفتها.
و لكن المؤلّف لم يرتضِ هذا التوجيه و اعتبر أنّ موقفها من الشريعة إيجابي مستدلاً بكون الفلسفة المشّائية فلسفةً إسلاميّة فلابّد من مطابقتها للإسلام في أصولها العامة.
- المدرسة الكلامية: الوظائف والمسار العام: و ذكر ثلاث وظائف لعلم الكلام -أيّ علم أصول الدين- :
(١) تبيين أصول الدين
(٢) إثباتها بالأدلة العقلية
(٣) دفع الشبهات والدفاع عنها
و أَرجع تحديد المنهجية للمتكلمين لهذه الوظائف؛ إذ مقتضاها أنّ المنهج الكلامي
على مستوى الثبوت هو ظواهر الكتاب و السنّة و على مستوى الإثبات العقل؛ فلذلك يتوسّل المتكلّمون بالأساليب الجدليّة لإسكات الأخرين و إخضاعهم لمدّعاهم في ميدان البحث العلمي
ثمّ يقارن بين الإتجاه الكلامي و المشّائي بمقارنة أُعرض عنها اختصاراً و لكون مجمل ما فيها مطويٌّ في السابق.
- المدرسة العرفانيّة: المكوّنات والاتجاهات والخطّ العام: قسّم العرفان لـ نظري، و عملي
و أوضح العرفانَ النظري بقوله: “وهو فرعٌ من فروع المعرفة الإنسانية التي تحاول أن تعطي تفسيراً كاملاً عن الوجود و نظامه و تجلّياته و مراتبه” و يُشعر مجموع كلامه أنّ العرفان العملي خارج عن موضوع البحث؛ إذ هو يختصُّ ببيان مقامات العارفين و يسعى للقرب الإلهي فليس من شأنه البحث عن رؤية كونية.
و بيّن المؤلّف أنّ العارف في مقام الثبوت و كشف الحقائق يعتمدُ منهج تصفية القلب و تزكية النفس
و هل للعقل دورٌ في الكشف عن الحقائق؟
أجاب بأنّ هناك إتجاهين : إتجاهٌ: ينكر أيّ دور للعقل في الكشف عن الحقائق و عبّر عنه بالمتطرّف.
إتجاه أخر: يقبل العقل في حدود معيّنة ضيّقة بالنسبة للمشّائيين، و لم يبيّن مقدارها في هذا الفصل.
أمّأ في مقام الإثبات ذكر أنّ العارف يستند للنهج العقلي كغيره و ذكر جمعاً من النصوص لأصحاب العرفان تؤيّد ذلك.
- المدرسة الإشراقيّة العقلانية لا تتقاطع مع البيان و العرفان:
اعتبر المؤلّفُ شيخَ الإشراق السهروردي أوّل من وفّق بين المناهج الثلاثة في مقام الثبوت؛ إذ كان المنهج الإشراقي يستندُ للقلب و العقل و ظواهر الكتاب و السنّة ثبوتاً، و أما إثباتاً فإنّه كما هو غيره يعتمد النهج العقلي
لكنّ المؤلّف يرى أنّ الإشراق -بنحو الإجمال- لم توفّق في مقام الإثبات بما استطاعت به تأسّيس منظومة عقليّة متقنة تثبت بها مدّعياتها.
- مدرسة الحكمة المتعالية مشروع للتوفيق بين البرهان و القرآن و العرفان:
ذكر المؤلف نظرتين لفلسفة ملا صدرا الشيرازي :
نظرةٌ تعتبر عمله الفلسفي تلفيقٌ بين المدارس، و نظرةٌ تعتبره توفيقاً بينها
و يبدو من عبارات المؤلّف أنّ التلفيق هو : ضمُّ الأمور بنحو غير منسجم، و التوفيق ضمُّ أمور بنحوٍ منسجم
و يرى أنّ التوفيق هو الصائب مستشهداً بأمور ثالثةٍ:
الأوّل: بعض القواعد التي طرحها صدر المتألّهين لم تطرح سابقاً.
الثاني: قسم من القواعد التي كانت مرفوضة أقام عليها البرهان و أثبتها.
الثالث: جملة من مسائل العرفاء غير مبرهنة عقليّاً سابقاً فبرهن عليها.
كيفيّة التوفيق:
بيّن المؤلف دور كلٍ من البرهان و العرفان و القرآن في فلسفة ملا صدرا
دور الشريعة:
اِعتُبرت الشريعة عند ملا صدرا يصحُّ دخولها ضمنَ القياس المثبت للمسألة الفلسفية مع كون المحوريّة لها ودوران الآخرَين بدورانها.
دورا العقل والقلب:
أبانَ المؤلّف أنّ العرفان في طول العقل فما لا يقضي العقل بإستحالته و لا يناله العقل يكون محلّاً لكشف القلب أمّا الذي يقضي العقل بإستحالته فلا شأن للعرفان بكشفه؛ ومن هنا لا يقع التنافي بين العقل و القلب لأنّ أحدهما في طول. آخر لا في عرضه .
ثمّ يذكر المؤلف تحليلاً لكيفية تأسيس هذا الصرح الفلسفي من ناحية تاريخية، ثمّ يذكر تقويماً عامّاً
و يعطِفُ البحث للكلام حول الأصول التي تأسّست عليها الحكمة المتعالية و صنّفها على أربعة:
(١) ما يتعلّق بالأمور العامة للوجود (الميتافيزيقا): ذكر ثمانية أصول.
(٢) ما يتعلّق بالمبدأ: ذكر أصلين
(٣) ما يتعلّق بعلم النفس الفلسفي: ذكر خمسة أصول.
(٤) ما يتعلّق بالمعاد: ذكر ثلاثة أصول.
ثم قوّمها تقويماً خاصّاً أُعرض عن ذكره و ذكرهاً إختصاراً .
الخاتمة :
و قعت في خمس نقاط
(١) تمييز الموجودات الحقيقيّة عن الاعتبارية و الوهمية
(٢) معرفة العلل العالية للوجود و الأخصّ للعلّة الأولى
(٣) إثبات مواضيع لعلوم الأخرى
(٤) إنّ العلوم تحتاج إلى الفلسفة لإثبات أنّها كليّة و قطعية
(٥) الدفاع أمام الفلسفات الأخرى
ملاحظات و تقييم:
الأولى:
أنّ المؤلّف لم يسِر في بحثه للمدارس الخمس وفق منهجيّة واحدة خاصّةً في الجوانب التاريخيّة ففي بعضٍ يتتطرّق لسبب التسمية و أخرى لا يطرقُ ذلك كما في المشّائية و العرفان، و أيضاً في تأريخ تشكُّل المدرسة فلم يتعرّض لتأريخ الكلام و لا تأريخ العرفان بخلاف باقي المدارس فقد عرض تأريخاً لها حازت بالحظّ الأفر منه المدرسة الصدرائية، وربّما يكون السبب في ذلك هو أنّ هذه الجوانب ليست داخلة في الغرض الذاتي من جهة ، ومن جهةٍ أُخرى فأصل الكتاب كما قدّمتُ هو مقدّمة على شرح على كتاب بداية الحكمة للطباطبائي، و ميزته أنّه كتابٌ درسيٌّ يدرّسُ في الحوزات و الجامعات الشيعيّة ككتاب متوسط في الفلسفة و له مقدّمات معيّنة في الكلام و المنطق وغيرها فبعضُ الأمور يفترضُ بالطالب أنّه قد طواها فلا حاجة للإعادة كما في علم الكلام.
الثانية:
لم أرى نهجَ المقارنة بارزاً – و لو كان بارزاً فليس بكافٍ – و أعتقدُ أنّ من الواضح أهميّة التركيز على البحث المقارن بين المدارس؛ وذلك لأنّ موضوع البحث هو عن المنهجيات لبناء رؤية كونيّة فلابُّد من المقارنة بين المناهج لتمييزها عن بعضها منهجيّاً بشكل واضح ، هذا عموماً و إلا ففي بعض المواضع قارن بين الكلاميّة و المشّائية و أيضاً بين الحكمة المتعالية و المشّائية و العرفان و بين العرفان و الإشراق.
الثالثة:
تقدّم أنّه استدلّ على إيجابيّة الموقف المشّائي من الشريعة بكونها إسلامية
و يلاحظُ أنّ كونها إسلامية راجعٌ لتطابق الأصول العامة معها سواءٌ راعوا المطابقة منهجيّاً أولا فالمطابقة بين فلسفتهم و الأصول العامة للإسلام ليست دليلاً على اعتبارٍ منهجي للأدلة الدينية في مدرستهم، كونه مسلم ليس دليلاً كذلك لكون بحثه الفلسفي كفيلسوف غير مراعى فيه الشريعة -كما هو المتكلم- و لكنّه كمسلم قد لا يعتقد بخلاف الشرع.
الرابعة:
لم أجده مفرّقاً من ناحية منهجيّة بين الحكمة المتعالية و حكمة الإشراق فهما من حيث المنهجيّة العامة واحدة و لم ينصّ المؤلّف – مع ضرورة ذلك – على الفرق بينهما حتّى حينما أفرد عنوان “[الحكمة المتعالية] و المدارس الأخرى” ، نعم نصّ على أنّ الحكمة الإشراقيّة لم توفّق في مقام الإثبات خلافاً للمتعالية و أنّها – أيّ المتعالية – لها أصولٌ تأسّست عليها مصنّفاً لها على خمسة أصناف، و لكن كلاهما ليسا تفريقاً منهجيّاً فكلاهما راجع لتطبيق المنهجيّة في تأسيس بناء فلسفي منظومي متقن قائم على براهين عقلية؛ فالفرق تطبيقي لا منهجي.
و قد يبدو أنّ الفرق في أنّ الحكمة المتعالية قد حدّدت حدوداً و أدواراً لأسسها الثلاثةِ المنهجيّة (العقل و العرفان و القرآان ) أمّا الإشراقية فالظاهر – بحسب منقولات المؤلّف و عباراته – أنّ الأدوار غير محدّدة بوضوح نظريّاً و تختلف عمليّاً و خاصّةً إذا لا حظنا أنّ حكمة الإشراق عادةً ما تقابل بالحكمة المشّائية على اعتبار أنّ الأولى شهود و مكاشفة و الثانية عقل و برهان فكأنّما الطابع العرفاني غالب على الطابع العقلي عمليّاً.
الخامسة:
لم أجد بروزاً لتحقيق الغرض من الكتاب و هو بيان أن العلماء على إختلافهم متّفقين على حجيّة الدليل العقلي في مقام الإثبات بل البارز هو بيان خصائص المدارس و تمييزها إما منهجيّاً أو بنائيّاً.
التقييم :
أجدُ أنّ المؤلِّف قد أجادَ في بيان الخصائص و المزايا الفلسفية لكل مدرسة عموماً -و إن لم يوفّق في إعطاء الحكمة الإشراقيّة حقّها- و بحثه في المدارس الفلسفية له نفعٌ جمّ في إنشاء تصوّر أوليّ جيّد لها، ولكن لم يحسُن في التمهيد و الخاتمة إذ يظهر كونهما أجنبيين عن مباحث الكتاب ففيه نحوٍ من التلفيق – و إن كانتا لا بأس بهما في نفسهما بياناً و مادّةً – فالغرض الذي خطّه في التمهيد غير بارز في الكتاب كـغاية ذاتيّة. فلذا أرى أن الكتاب يستحقّ ثلاثةَ نجوم.
أبو الحسن الجمري
١٥صفر٣٨هـ.ق الموافق لـ١٥ نوفمبر ٢٠١٦م
بني جمرة – البحرين