أستخسرُ كثيرًا عدم مناسبة المقام لنشر مداخلات الإخوة والأخوات، ففي قناعتي أنَّها حقٌّ ينبغي أن يكون مشاعًا بين الجميع.. آسف فعلًا..
من جملة المداخلات الرائعة في مسألة (تراجع) أهل الكوفة عن نصرة مسلم بن عقيل، مداخلة أستاذنا الفاضل الدكتور عبد علي منصور، وإنَّني أتشرَّف بنشرها كون الدكتور صاحب تخصُّص في علم الاجتماع، وقد قرأ الأمر من وجهة علمية جميلة.
مداخلة الدكتور عبد علي منصور:
“كان السؤال : لماذا خذل أهل الكوفة مسلم بن عقيل وتخلوا عن بيعته؟ كان هذا سؤالا حاضرا عندي ، وحاولت البحث عن إجابة عنه، وقادني البحث فيه لأن أدرس أولا طبيعة المجتمع الكوفي ومكوناته في ذلك العصر، وبالأخص من ذلك الطبيعة النفسية وهو علم يدرس في الجامعات تحت عنوان : علم النفس الاجتماعي.
يبحث علم النفس الاجتماعي في تكوين المجتمعات والجماعات والعلاقات والقيم والأعراف والتقاليد والنظم السائدة فيها.
وفي ما يلي نبذة عن ذلك:
طبيعة المجتمع الكوفي:
من المعروف أن مجتمع الكوفة قد بدأ في التشكل ابتداء من السنة ١٧ للهجرة، وكانت بدايات تشكله تحكمها النظم العسكرية. وتشكل من قبائل عربية متعددة ثم دخل عليه عنصر جديد بعد فترة وجيزة وهم الموالي من غير العرب الذين شكلوا طبقة كبيرة تشعر بالضيم والظلم.
وخلال حكم الخلفاء قبل الإمام علي عليه السلام كان هوى الكوفة في غالبه هوى الخلافة، وكان الولاة فيها والساسة يتلقون تعليماتهم من عاصمة الخلافة في المدينة المنورة. ومن ولاة الكوفة سعد بن أبي وقاص، وأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وغيرهم من المحسوبين على نظرية الشورى.
أما التشكيلة الاجتماعية فكانت متنوعة ومتنافرة أحيانا، ففضلا عن وجود قبائل كثيرة كان العداء بينها سائدا من قبل الإسلام، برز الموالي كعنصر اجتماعي ناشئ يحمل في نفسه كثيرا من الأمراض الاجتماعية والنفسية.
نعم كان المجتمع الكوفي يضم قاعدة شعبية من الشيعة الذين يرون نظرية النص. وقد وقف هؤلاء مع الإمام علي في حروبه، ولكنهم بعد مقتله وصلح الإمام الحسن سيموا أصناف العذاب والتنكيل، وتغير حال الكثير منهم وأضحوا من أنصار السلطة ومثال أولئك شبث بن ربعي التميمي، والأشعث بن قيس الكندي وغيرهما.
وزاد الأمر سوءا بروزا مذهب الخوارج الذين بدأوا في تشكيل نواة اجتماعية منظمة لها نهج عقائدي منحرف.
هذا وصف غير مكتمل لمجتمع الكوفة من الناحية الاجتماعية حين دخله مسلم بن عقيل. مجتمع غير مستقر، يفتقر إلى التجانس، لا يخضع لسلطة مركزية، تحكمه الإشاعة، ويسوده الخوف.
وبرز في هذا المجتمع شيعة مخلصون بادر بعضهم للكتابة للحسين بالقدوم، ولكن معظم الذين كاتبوه كانوا مضطربين عقائديا ونفسيا. ويمكن أن نعدد من أولئك الشيعة المخلصين المختار الثقفي، وهانئ المذحجي، وحبيب الأسدي، وسليمان الخزاعي، وإبراهيم بن مالك الأشتر النخعي وغيرهم.
أما الذين يحملون هوى السلطة، وإن احتفظوا في أنفسهم بشئ من الود والاحترام لأهل البيت، فإنهم يخضعون لأوامر السلطة، وهؤلاء كثيرون يرون في أنفسهم أحقية أهل البيت، ولكنهم يحملون اجتهادات تتيح لهم التمرد على ما يعتقدون بدعوى المصلحة العامة، ومن هؤلاء شبث التميمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ومحمد بن الأشعث الكندي، وغيرهم.
أما أجلاف أهل الكوفة الذين يحملون فكر الخوارج فهم مقاتلون أشداء يكنون عداء مبطنا لأهل البيت وقد عبروا عنه في كربلاء حين قالوا للحسين : إنما نقاتلك بغضا لأبيك. ومن بين هؤلاء شمر الكلبي وعصابته، وخولي الأصبحي، وحرملة الأسدي.
هذه خلاصة موجزة جرني التأمل والبحث لاستخلاصها عن مجتمع الكوفة حين دخله مسلم بن عقيل.
السيد محمَّد علي العلوي
7 من المحرَّم 1438 هجرية
9 أكتوبر 2016 ميلادية
1 تعليق
أحسنتم.
لعل خير من فصّل ذلك الدكتورة وداد القاضي في طيات كتابها الرائع (الكيسانية في التاريخ والأدب)، والدكتور حسن الحكيم في كتاب المختار الثقفي، حيث تكلما بشكل واضح عن المجتمع الكوفي حينئذ.