نَفَسُ المَهمومِ – 2

بواسطة Admin
0 تعليق

صبَّحكم الله بالخير، وعظَّم الله لكم الأجر

بخصوص حديث “نَفَسُ المَهمومِ..”، فإنَّني هنا أطرح أدناه ما جال في البال، ثُمَّ أنتظر دُرَرَكم نقدًا وتقويمًا..

عن عيسى بن أبي منصور: سمعتُ أبا عبد الله (جعفر بن محمَّد الصادق) عليه السلام يقول:

“نَفَسُ المَهمومِ لنا المُغتَمِّ لِظُلمِنا تسبيحٌ، وهَمُّهُ لأمرِنا عِبادةٌ، وكِتمانُهُ لِسِرِّنا جِهادٌ في سبيل الله”.

الالتفاتة الأولى:
قال: “المهموم” ومن بعدها: “المغتم”

لماذا لم يقل (المهتم) فتوافق (المغتم) وزنًا، أو (المغموم) فتوافق (المهموم) وزنًا؟

في الأولى قال: “المهموم”، على وزن (مفعول)، فهو الذي وقع عليه فعلُ (الهم).

أمَّا (المغتم) فاسم فاعل، وهو الذي يفعل الاستتار بالهم كربًا.

فالمقام مقام فعل واستجابة، أي أنَّ الذي يتحدَّث عنه الإمام (عليه السلام) شخص وقع عليه فِعلُ (الهمِّ)، فاستجاب له وفعل (الاغتمام)، وهو الاستتار بالكرب، وقد صار كربًا بعد الاستجابة.

وهذا يوافق ما قد قيل في اللغة من أنَّ (الهمَّ) ما لم يقع بعد، وإذا وقع أصبح (غمًّا).

ولكن (الاستجابة) ليست بقرار يُتَّخذ، فهي استعداد نفسي يجعل الإنسان محلًّا للإحساس العالي بما نزل على أهل البيت (عليهم السلام)، فيُسَلِّم لهمومهم ويُعرفُ بكُرَبِهم.

ولذا، فإنَّ هذا الحديث -بحسب فهمي القاصر- يتحدَّث عن المؤمن العارف بأهل بيت النبوة (عليهم السلام) معرفةً يعيش فيها همومهم وكُربَهم.

أمَّا قوله (عليه السلام): (وهمُّه لأمرِنا)، فالهمُّ -بحسب فهمي القاصر- في هذا المورد بمعنى (العزم) كما في بعض معاجم اللغة، فيكون المقصود هو: العزم على تحمُّل مسؤولية أمرهم (عليهم السلام)، و(أمرهم) مفهوم واسع تجتمع أفراده في عنوان (الوَلاية).

أمَّا (كتمان السر) فالظاهر أنَّه سرٌّ من المفترض أن يكون الأئمة (عليهم السلام) قد أسرُّوا به لشيعتهم وأمروهم بكتمه، وهذا أمر قد يكون مستبعدًا؛ إذ أنَّ الإسرار للجمهور لا يُسمَّى إسرارًا!

يُحتَملُ أن يكون المقصود بالسرِّ هو العمق العقائدي في التفسيرات والتعليلات، وفي تصوري أنَّ هذا الاحتمال قد يحتاج إلى تكلُّف في مقام إثباته.

أُسَجِّلُ هنا احتمالًا آخر وأدعو لدراسته تحقيقًا:

قد يكون الإمام الصادق (عليه السلام) في معرض ذكرِ أو الحديثِ عن فئات من الشيعة في مراحل، وهي كالتالي:

١- المهموم.
٢- المغتم.
٣- صاحب العزيمة الولائية.
٤- الكاتم لسرِّهم (عليهم السلام).

فتكون الفئة الدنيا هي فئة المنفعلين حزنًا بما عرض على أهل البيت (عليهم السلام) من كُرَبٍ وبلايا.

والفئة الأعلى هي فئة المنفعلين والمتَّخذين الحزن حجابًا وسمةً يُعرفون بها.

ثُمَّ فِئة المتحمِّلين لمسؤولية الوَّلاية وأصحاب العزائم على تمثيلِ خطِّ أهل البيت (عليهم السلام) تمثيلَ الأكابر من الأصحاب والأتباع وأتباع الأتباع متقدِّمين ومتأخرين ومعاصرين.

أمَّا الفئة الأكمل فهي فئة خاصَّة تتوارث السِرَّ وتُعرف بتحمُّله بظهور الحكمة والفهم والسلامة من السقوط في مزالق اللوابس، وهم -كما أحتمل- من قال عنهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله):

“المتَّقون سادةٌ والفقهاء قادةٌ ومجالستهم زيادة”.

أمَّا من هم المتَّقون، ومن هم الفقهاء، فهذا مذكور في أحاديثهم (عليهم السلام).

في الحديث عناوين كثيرة، ولكنَّ المقام لا يسع.

بانتظار ملاحظاتكم وآرائكم النيِّرة.. فلنجمع العقول لنتذوق حلاوة المعرفة.

السيد محمَّد علي العلوي
4 من المحرَّم 1438 هجرية

6 أكتوبر 2016 ميلادية

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.