مِنْ أَشَدِّهَا أنْ يُقتَلَ شابٌّ في مقتبل العمر بين يدي أمه بطعنة من مجرم لسبب ما، وليس بهين أن يسكب مجرم آخر حِمْضًا حارقًا (تيزاب) على وجة عروس في ليلة زفافها وأمام ناظري عريسها!!
مواقف بشعة جدًا.. مؤلمة.. تؤثر بشدة في كيان الإنسان ومن شأنها أن تولد ردات فعل لا يُستغرب لو ظهرت عنيفة شرسة؛ فالإنسان –على أية حال- مجموعة معقدة جدًا من العواطف..
فلنحسبها بشيء من التحليل..
قُتِلَ الشاب ولن يعود إلى الحياة.. فُقِدَ وانتهى أمر وجوده الحياتي الدنيوي..
القاتل موجود وقد ارتكب جريمته وتصرم وقت وقوعها، ولن تعود لحظة تُمَكِّننُهُ من التراجع..
يسلك صاحب الحق قنوات معينة لن تحقق شيئًا أكثر من معاقبة المجرم ربما بالحبس وربما بالقتل وربما بتغريمة دية المقتول..
ولن يتغير الواقع.. أقصد واقع الحادثة.
وقس على ذلك المشهد الثاني أيضًا، فالعروس قد تعرضت لما شوه وجهها وسلبها جمالها ودمر جزءًا مهمًا من حياتها.. والقنوات القانونية موجودة، وقوانين العقاب مستعدة للإمضاء، إلا أنها لن تغير من واقع الحادثة شيئًا.
نعم، فللعقاب أبعاد إيجابية يستفيدها المجتمع، وهي ما يصرح به المولى تبارك ذكره في قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، غير أن حديثي هنا عن حالة الانفاعل النفساني العاطفي مع الحدث، وهو في أصله وبلا أدنى شك انفاعل طبيعي جدًا، بل أن علم النفس يقرر من لا ينفعل مريضًا يحتاج إلى علاج، ولكن الذي أسعى لإثارته في هذه السطور هو الانفلات (العاطفي) بما يغير مسار الاستقامة العاطفية ويتحول بالإنسان إلى وجود مُعَطِّل وكيان شاغل عن مسيرة التكامل التي يطلبها الله تعالى له، والمشكلة الأكبر إذا تشكلت في المجتمع مجاميع بشرية تشتغل متفرغة على تنمية هذا النوع من الانفلات وتزكي مناشئه حتى يتحول إلى ثقافة تتميز بها بعض المجتمعات، فيكون الخارج عليها خارجًا على النص الإنساني!!
ينبغي للعاطفة الإنسانية أن تقبل بضوابط العقل وأن تحتضن أطروحاته المنطقية، كما وينبغي للعقل أن يقبل بطبائع العاطفة وأن يداري جمالها، ولا ينبغي للإنسان أن يصادم بين عقله وعاطفته تحت أي عنوان كان، ولكن الحاصل -في نظري- هو ما أذكره تاليًا:
1/ يستسلم الإنسان لعاطفته استسلامًا شبه كلي.
2/ ينفعل الإنسان مع عموم ما لا يرتضيه بسيطرة عاطفية طاغية.
3/ يبدأ بتشغيل عقله وبطاقة مضاعفة وفقًا للنتائج التي تحققها له عواطفه المنفلتة.
4/ تبدأ جولات الانتقام والفعل ورد الفعل تحت سيطرة العاطفة وبآلة العقلية الانتقامية التي عادة ما تحمل نفسها بعناوين براقة مثل (الحق.. المروءة.. القوة.. الشجاعة..)..
ولو أن الإنسان يملك نفسه ويستأنس لها بعواطفه ثم أنه يتحرك بحكمة العقل في قوله وفعله فيكون مصادقًا حيًّا لقوله تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فهو حينها يكون على طريق البناء ماضيًا على نهج تحويل المآسي إلى نقلات نوعية إيجابية وقودها أريج العاطفة وماؤها العقل، أما الزهر فهو سلوكه المنضبط.
الأمر هين، ولكنه صعب جدًا مع ما يمارسه المجتمع وثقافاته من ضغوط هائلة على الإنسان مما يولد عنده ازدحامات خانقة من الأحاسيس المتضاربة والعواطف المنفلتة فلا يكون –غالبًا- إلا متنمرًا بلا قيم لتحقيق الغلبة وإن داس تحت قدميه ما داس!
السيد محمد علي العلوي
15 من المحرم 1435 هجرية
19 نوفمبر 2013 ميلادية