حتى لا نكون ضحية أنفسنا.. داءٌ ودواء

بواسطة Admin
0 تعليق

18 Nov 2013 -1

حُبِسَ عبدُ الرحمن بن ملجم لضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيف على هامته الشريفة وهو يصلي في محراب مسجد الكوفة، وفي حبسه كان يأمر له عليٌ (عليه السلام) بأكلٍ مما يأكل وبشرابٍ مما يشرب، ثم أنه حَذَّرَ من التمثيل به وذكر حديث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي نهى فيه عن المثلة ولو بالكلب العقور.

هذا مثال فقط أردت من خلاله الإشارة إلى أن لسمو الإسلام العظيم نظرات متعددة لنفس الأمر الواحد، فهو ينظر إلى بن ملجم –مثلًا- على اعتباره مرتكب لجريمة فيأمر بحبسه أولًا وإمضاء الحكم الشرعي عليه ثانيًا، وفي نفس الوقت ينظر إليه ككائن حي له حقوق مفروضة لا تتبدل ولا تتغير، وثالثة يراه إنسانًا فقط يستحق ما يستحقه غيره من بني البشر، إلا أن هذه الحقوق تتقلص بعارض الجريمة التي ارتكبها.

فلندقق الآن..

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)، وقد جعل المولى تبارك ذكره للحكمة خصوصية كبرى، فقال (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ).

للحكمة محورية ظاهرة في المشروع الإلهي الأكبر، كما وأنها من الفضائل العالية التي يَمُنُّ بها الله تعالى على المصطفين من عباده وعلى رأسهم محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وقد كلف الأنبياء والمرسلين مهمة دعوة الناس إلى الحق بضوابطها وتعليمهم إياها.

الحكمة..

إنها –كما عُرِّفتْ- (وضع الشيء في موضعه)، فيقع فيه بإحكام يجنبه الزوائد مثلما ينزهه عن النقائص بحسب مقامه وشأنه، وهي –في نظري- ليست عِلْمًا بقدر ما أنها نمط من انماط التفكير الدقيق والعقلية التحليلية، ولأن الفرز والبسط من شانياتها فقد وُجِهتْ منذ القِدم بسيول جارفة من العداوات وبعناوين جدلية تتقن فنَّها أدمغة ورؤوس حتى صورتها وباتت في بعض الأذهان طريقًا حتميًا نحو الكفر والزندقة، وعندما يأتي لها هؤلاء في النصوص المعصومة فإنهم يقدمونها صورةً هلامية نجمية للتغني ولحرف العزائم عن نيل شيء منها، فبدل أن تكون الحكمة مطلبًا طبيعيًا يحث عليها الدين ويروج لها المتدينون ويبسطونها في مساحات ومفاصل وزوايا الأساليب والمسالك التربوية، أصبحت في عنوانها مطلبًا لا يُنال وفي مضمونها جرأة وتجاسر وكفر وزندقة!

ولكن من جميل ما ينبغي ذكره هنا، ومما يسهل تجاوز مثل هذه الحواجز النفسانية العصبية التعصبية الغريبة، أنَّ تَعَلُّمَ الحكمة ليس من قبيل تعلم مجموعة من القوانين والقواعد وما شابه ذلك، ولكنه تعلم الدقة في النظر والتحليل والتقدم في القدرة على التجريد بما يبسط أدق العناوين النافعة في القراءة الصحيحة، وهذا أخشى ما يخشاه (البعض).

ما نحتاجه اليوم هو عقد العزائم على الهدوء في الفكر والسعي لاكتساب مهارات تجريد المواضيع واتقان فن إرجاع العناوين إلى جذورها مع الاحتكام دائمًا وأبدًا لثوابت الثقلين المقدسين القرآن والعترة.

هذا وإلا فنحن أقرب إلى ظلم أنفسنا وتحويها إلى ضحية لما تكسب أيدينا.

 

السيد محمد علي العلوي

15 من المحرم 1435 هجرية

18 نوفمبر 2013 ميلادية

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.