زفر زفرة عن أسف وأسى ثم قال: ماذا نصنع وقد كتب الله علينا إعمار البلاد واستصلاح العباد بما آتانا من فضل على العالمين..
فأجابه صاحب له: ولكنهم لا يفهمون ما تقول.. قلوبهم مشحونة بكرهنا، فنحن عندهم مستعمرون محتلون قاتلون ناهبون..
فرد قائلًا: لا مفر من تحملهم يا صديقي، فهم لم ولن يفهموا حقيقة الأمر، وهذا طبيعي جدًا، فقد خلقهم الرب طبقة سفلى غير قادرة على الفهم والاستيعاب، ولو أننا نتركهم لدمروا البلاد وأنفسهم، ولدفع البلاء عن أحباب الله فإننا نبسط سيطرتنا على بلادهم ونضعهم في المكان الذي أراده الله لهم، وهو مكان العمل تحت أوامرنا وإرشاداتنا، ولو أنهم يدركون هذه الحقيقة بالشكل المطلوب لما قتل أحد ولما أطلقت رصاصة.. اسمع يا صاحبي: العربي خصوصًا والشرقي على نحو الإجمال إنما خلق للحفر والبناء والصيد، فهو مخلوق حرفي لا مفكر، وإن اقتضت الظروف أن يكون طبيبًا أو مهندسًا أو ما شابه، فهو إن ترك ونفسه دمر وهدم ظانًا الإحسان في عمله، وهي حقيقة تكوينية اقتضت أن نكون موجودين لحماية هذا الوجود الدنيوي من (غبائهم)، ولا بد لنا من تحمل فهمهم الخاطئ، وليقولوا عنَّا محتلين ومستعمرين وما نحو ذلك.. لا يهم..
انتهى الحوار.
كان حوارًا حقيقيًا قرأته صريحًا تارة وفهمته من مجمل أطروحات بعينها تارة أخرى، فالغربي الأعم من الأوربي والأمريكي يحمل في عمقه ثقافة المفهوم الحقيقي والعملي لعقيدة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، ويظهر ذلك جليًا في بعض فقرات التلمود وكذلك في شيء من مقاطع بروتكولات حكماء صهيون، ومنها: “ومفروض ان الله نفسه قد وعد اليهود بأنهم مقدر لهم أزلاً ان يحكموا الأرض كلها في هيئة مملكة صهيون المتحدة، وقد اخبرهم بأنهم العنصر الوحيد الذي يستحق ان يسمى انسانياً. ولم يقصد من كل من عداهم الا ان يطلقوا “حيوانات عاملة” وعبيداً لليهود، وغرضهم هو اخضاع العالم، واقامة عرش صهيون على الدنيا، وقد تعلم اليهود أنهم فوق الناس وأن يحفظوا أنفسهم في عزلة عن الأمم الأخرى جميعاً ـ وقد أوصت هذه النظريات إلى اليهود فكرة المجد اليهودي فكرة المجد الذاتي لعنصرهم، بسبب أنهم أبناء الله حقًا”!!
الغريب في الأمر أننا نتراكض للارتماء تحت أقدامهم ونعتبر ذلك تحضرًا ومدنية ونعبر عنه بالحكمة والحنكة والواقعية، هذا وقد كرمنا الله سبحانه وتعالى بثقلين عاصمين من الضلال بوعد منه مقطوع، إلا أننا لا زلنا نمعن في إذلال أنفسنا مع سبق إصرار وترصد، ومن مظاهر ذلك أذكر مشهدًا واحدًا لا غير..
لم تتقدم الأمم إلا بالعلم والانطلاق في عمليات جادة لتوسيع أفق المعرفة وتفجير طاقات الإنسان بكل صدق وإخلاص، حتى أنني شاهدت تمكن الصينيين في حضارتهم القديمة من تأهيل الإنسان لمقاومة الضربات القاتلة ومنها ضربة (الشنق)، وبالعلم والعمل تمكنوا من ذلك فكان الرجل يعلق على حبل المشنقة حتى يعلن الحبل استسلامه، أما اليوم فيقول أحد التجار البحارنة ساخرًا: لو أننا نصر على الصينيين بأن يصنعوا إنسانًا لصنعوا”!!
وفي اليابان تحققت أصعب المعادلات عندما تقدمت الأمة هناك بعد هورشيما ونجازاكي برد فعل استثماري إيجابي تجاوز دمار الحادثة ليصنع حضارة تقود العالم، وأما الهند فهي اليوم مضرب مثل لأكثر الديموقراطيات تقدمًا في العالم، ولا فضل في الصين ولا في اليابان ولا الهند لغير العلم ثم العلم والعلم، لا فضل لغير الانطلاق بقوة نحو أفق المعرفة، وليس من قدرة دنيوية تنقذ الإنسان من نير التأزمات النفسية والعقد السلوكية وضيق الزوايا غير التنازل عن ناصية الأمور لصالح العلم والمعرفة دون خوف أو قلق حتى لو كثرت الزلات في بداية الطريق..
وكلمة أخيرة..
لم أجد في تتبعي البسيط لحضارات الأمم إلا إرادة التغيير وحب البناء، ومما وجدته عندنا في أمة (محمد صلى الله عليه وآله) –وآسفًا أقولها- حب التمزق وإرادة التقطيع الداخلي وباسم الدين والتدين.. باسم الإسلام!! فإذا كان فهم الناس للإسلام هكذا، وإذا كان الإصرار على التكريس إليه، فبحرقة وألم أقول: أهلًا وسهلًا بالدولة المدنية والليبرالية والعلمانية ويا مرحبًا بالحداثة وكل شيء ما عدا.. الإسلام!
السيد محمد علي العلوي
27 صفر 1434هـ/ 10 يناير 2013م