أيننا عنَّا؟

بواسطة Admin
0 تعليق

 في وسط الأمواج، وبين الرياح العاصفة، ومن بين حطام السفينة، يأتي من هناك، من هناك البعيد وهو هنا القريب فرج عجاب يتجاوز الكارثة بكل مكوناتها فتبدأ حياة جديدة بسهولها وجبالها وأخضرها وصحراءها، ولكن كيف لو لم يتشبث المكروب بتلابيب الفرج ويقبض عليه بكل ما يملك من قوة؟

لا شك في أنه يفوت الفرصة التي ربما غادرت بلا عودة..!

هنا في مجتمعنا (المستهدف) تجدنا في توتر مستمر بسبب ما نعيشه من ضغوط مقصودة ومضايقات مخطط لها بالمسطرة والقلم، فلا الجانب المادي من حياتنا مرحوم، ولا سلمت معنوياتنا وأخلاقياتنا وسلوكياتنا من ضربات موجعة آخذة في جرنا إلى الخلف، بل إلى الأسفل دون أن تشهد الساحة تحركات جادة لتغيير اتجاه بوصلة المستقبل..

في وسط هذا الركام (المُهَنَدس) نرى الطبيعة الحقيقية لمجتمعنا وهي تطلق ابتسامة من أنوار الأصالة الشرقية والألق الإسلامي الخالد فتتجسد وتتجلى في جمال التواصل بين الناس في شهر رمضان الكريم، نعم، إنها أصالة اجتماعية تذوب عندها ألوان وألوان من الخلافات والنزاعات بشكل لا مثيل له في الروعة والإبداع الأخلاقي.. هل لمثل هذه الأريحيات دلالات معينة؟ هل تبشر بشيء؟

إنه الرجوع إلى الروح الهادئة والنفس الصافية التي تربينا بين أحضانها وستبقى هي المربية لأولانا وأحفادنا، فحتى ونحن نعيش التأزم والخلاف وأصناف الانحدارات، تبقى أصالة الخير مرجعاً لو فكرنا في استثماره بالشكل الصحيح والجاد لربما كان باب الفرج الذي طالما انتظرناه.

كان أحد الأخوة يتحدث عن حالة أثلجت صدري كثيراً.. يقول بأنه يسكن منطقة الغالبية العظمى من سكانها ليسوا شيعة، بل أن جيرانهم من أصحاب التشدد ضد الشيعة، وهذا يعرف حتى من مظاهرهم وطريقة لبسهم بالنظر إلى المعتاد والمعروف.

يقول الأخ أنه وفي هذا الشهر الفضيل لا يكاد يمر يومٌ إلا وأصناف الطعام تمر من هذا البيت إلى ذاك دون نظر إلى مذهب أو انتماء أو ماشابه، والرائع أن الوجوه مبتسمه والألسن تلهج بكلمات الترحيب والدعاء بصدق يستشعره الجميع، ولا ينتهي الأمر هنا، ولكن الأكثر روعة هو تبادل الزيارات في الليل بكل ود ومحبة.

وأنا أستمع بهدوء لكلام الأخ الكريم، تذكرت ندوة للدكتور ناصر الموسوي، حضرتها في مجلس سماحة الشيخ حبيب الجمري، وكان موضوعها الأجواء التربوية في البحرين، وفيها انجذبت للفتة جميلة من الدكتور، وهي أنه في منطقة المنامة تقع الكنيسة الكاثوليكية بجانب مسجد المسلمين، ومقبرة الشيعة بجانب مقبرة غيرهم من المسلمين، ولذلك دلالات إيجابية جداً يقررها التربويون في صالح المجتمع، فمسألة التقارب الجغرافي في محال العبادة دليل على روح التآلف والتسامح التي نشأ عليها الناس في البحرين، وهذا هو الأصل فعلاً، والذي لو تعاملنا مع بعضنا البعض في حدوده فقط لتمكنا بكل جدارة من شلِّ حركة التأزيمات الشيطانية المدبرة.

إن هذه الظواهر الاجتماعية الجميلة تطل علينا في هذا الشهر الكريم وكأنها تستجدي تبنيها وتتوسل بنا الأخذ بها والانتشار على مياهها الصافية، ولو أننا التفتنا إلى طهرها ونقاءها لربما تكشفت لنا الكثير من الحقائق التي يسترها عنا شيطان العصبية والتعصب، ومنها أننا كبشر لا تنقطع من بيننا خيوط التواصل حتى لو كان الأمر من السماء بالبراءة من بعض الجماعات؛ فهذا الأمر يدوم ما دام موضوعه، ويرتفع بارتفاعه، وبذلك تظهر ثانية خيوط التواصل فيما بيننا وأقلها التواصل النوعي الذي يربط حتى العجماوات بعضها ببعض، كيف ونحن الذين كرمنا الله تعالى بالعقل والإدراك؟

إنه شهر كريم، يتجاوز فيه الله سبحانه وتعالى عن المذنبين ويغفر لهم ويصفح، فيفتح أبواب الخير والبركات لكل من أراد التوبة والرجوع إليه جل شأنه، هذا هو الله عز وجل وهذا خيره في شهر الخير، وهو يقول (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإذا أردنا أن نكون على خط ولاية الله عز وجل، فما علينا إلا الرجوع إلى طبيعة الخير والتسامح والتجاوز التي نتميز بها عن غيرنا من المجتمعات، وهذا يحتاج منا قبل القرار أن نفكر في جمال التواصل وحلاوة التجاوز وروعة الاجتماع على جملة الملتقيات التي تجمعنا دائماً وأبداً مهما فرقتنا جهالات لابد لنا من سحقها تحت ورود الحب وزهور التواصل.

فلنرمي ماكان وراء ظهورنا ونستقبل البركات بقلوب نقية من شوائب الضغائن غير المبررة، والكره الذي لا يستند إلى إيمان وتقوى، فلنرمي كل ذلك ونقرر الحياة قبل أن يدركنا مفرق الجماعات، ولا شك في أننا أهل للتقارب وأكفاء للتواصل والمحبة.   

السيد محمد علي العلوي

الثالث من شهر رمضان الكريم 1431هـ  

15 أغسطس 2010

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.