لا تعطي الصدفة جمالاً للؤلؤة، بل هي تحبس جمالها وتحرم الناظرين منه، وحتى تنتشر روعتها فلا بد من فتح الصدفة ولو بالكسر، وعندها ترمى ولا يأبه أحد لا بها ولا بشكلها كيف أصبح بعد اقتحامها في طريق الظفر بلؤلؤة تسلب النظارين نواظرهم، أما إذا تمسك أحد بالصدفة ولم يفكر في اكتشاف ما بداخلها فلا شك في أنه يعاني خللاً ما في فكره أو عقله أو حالته النفسية.
لاحظوا ذاك الالتقاء الإلهي الذي كشف لنا عن اللؤلؤ والمرجان، ذاك الالتقاء الذي حطم عزوبية علي والزهراء (عليهما السلام) ليمتعوا الإنسانية بالحسنين (عليهما السلام) وليكون الكوثر من أم أبيها وتبقى رائعته متألقة في الخلص من شيعة الكرار (صلوات الله وسلامه عليه).
إنها لؤلؤة حق صنعها صفاء السماء ونقاؤها، ولكنها ومن بعد أن تفتقت عنها الصدفة الهاشمية جائت صدفة أخرى هي صدفة شر وشيطنة فتأخبطت حول اللؤلؤة حتى بدأت فعلاً بتضييع ملامحها عن دولة الحق المهدوية التي تنتظرها إشعاعاً تحارب به الضلال وتحطم بنوريته أوكار الظلم والجهل.. إننا لؤلؤة أحاطها أهل بيت النبوة بعنايتهم منذ عصر الرسالة الأول، ولكن ويا للأسف أضاعها حراسها بعد أن خلطوا خالص زلالها بأجاج هذه الدنيا الدنية واتربتها وجراثيمها حتى توارت على نفسها بعيداً عن عبث العابثين وهي تبكي تاريخاً ناصعاً تشرف المتقدمون بخدمته وصيانته..
إنه اليوم يوم نعيش فيه استضعاف أصالة الدين ممن يدعون الولاية له والغيرة عليه، فما واجهتهم حرمة من حرماته إلا وانتهكوها باسم الدين وهتكوا عذريتها برسم التدين و(الشعائرية)، ولا أحد يتقدم بكلمة حق إلا وجوبه بانواع التكفير والتضليل والتهمة والتزوير، فكان أن تحقق قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأنه الزمان الذي تذوب فيه قلوب المؤمنين في صدورهم من شدة المنكر الذي يشهدونه ولا يتمكنون من تغييره.
إنها لؤلؤة في قمة الروعة والجمال، إلا أن غرور الإنسان وجهله حال بينها وبين إرادة إعمار هذه الأرض بها نوراً يحكي حكم الله تعالى، فكان أن عاث المفسدون بأفكارهم وتمييعاتهم دونما رادع ولا راد حتى أصبح مسخ الدين ديناً، وروحه مسخاً، والبقية تأتي طالما أن السكوت مطبق هكذا، والانشغال بالفتات هو المهم والأهم في حسابات القوى وعلى أجندات قوادها.
لذا، فإن الحل ليس هناك خلف أسوار القصور العاجية، ولا في حُجَر تدعي الزهد وتطعن به، كما وأنه ليس فيما نحسبه مظاناً له، ولكن الحل عندنا رجالاً ونساء وشباباً وفتية، لا شك في أن الحل عندنا بعدما بدأ الضرب بعصا الفتوى والرأي الفقهي في استغلال يوصل النفس إلى حد الغثيان، ولا شك في أن الحل عندنا بعدما بدأ توظيف الدين لتنفير الناس من الدين، وإن لم ينفروا فلا شيء غير تفريغهم من فهمه وحشوهم بأباطيل تقف بكل وقاحة في قبال أدلة التشريع الإسلامي لأن قائلها يقال له (…..) وهل يخطئ (…..) وهو المتبوع بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين؟
لا شك في أن الحل عندنا بعدما وصل الحال إلى أن تكون أشرف المهمن والحرف مهنة (الاستئكال) بسير أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) والمتاجرة بطهارتهم في سبيل السيادة المتوفرة على حصون مانعة من حتى المس، لأن الذي يفكر في مسها أدخله (عوام الفقهاء) في دائرة الكفر ووضعوهم مباشرة على خط محاربة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).
لسنا في حاجة إلى فتوى حتى نمارس دورنا في تدبر آيات الله سبحانه وتعالى، كما ولسنا في حاجة إلى رأي شرعي حتى نبذل قصارى الجهد في تأمل أحاديث أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) في أمهات الكتب وأصحها كالكافي الشريف للشيخ الكليني (رضوان الله تعالى عليه) ونهج البلاغة لأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا هو الطريق الأوحد لفهم ما نحن فيه من مآسي تصورت لنا وكأنها هي اللؤلؤة التي ينبغي لنا المحافظة عليها، وإن لم نتخذ هذه الخطوة (الجريئة) فإن الآتين من بعدنا لا ريب في أنهم سوف يلعنوننا إذا تكشفت لهم الحقائق وعلموا أن الحق بمحاذاة الطريق، ولكنه ليس هو هذا الطريق.!!
إننا في أيام تلفظ أنفاسها الأخيرة، فإن لم ننعشها بنهضة فكرية حقيقية فليس إلا قول الإمام الحسين (عليه السلام): ” إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون“.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
السيد محمد علي العلوي
الثالث من شهر رمضان الكريم 1431هـ
15 أغسطس 2010 م