بعد أُحُد والحُدَيبية ..

بواسطة Admin
0 تعليق

عشر سنين تضع فيها الحرب أوزارها ويتعهد الطرفان بأن لا يُغِير أحدٌ منهما على الآخر، وهذا في مقابل أن يعود الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أدراجه ومن معه إلى مدينته المنورة على أن يكون الرجوع في قابل.

أمضى حكيم الإنسانية (صلوات الله وسلامه عليه وآله الطاهرين) هذه الاتفاقية وأقفل راجعاً ليبدأ في صناعة منعطف جديد في تاريخ أمته المرحومة، ولولا هذا الإمضاء لتوالت النكسات الفكرية والروحية على أبناء الدين الجديد، ولربما ذهب الريح قبل أن يحمل لواقحا.

إنه وفي ذلك اليوم الذي شهد الانقلاب الأول للمسملين على أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كشفت سهام خالد بن الوليد وهي تتقاطر من على جبل أحد أن القلوب لا تزال متعلقة بالدنيا وحطامها، وأن أصحابها لا يعون بعد معنى أن يكون للأمة رسول كابن عبد الله محمد الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فالإيمان تراخت ضوابطه بمجرد أن وقعت العيون على غنائم الحرب، وهذا يعني أن البناء لم يكن مستحكماً، وأن الدخول في أي حرب مقبلة مع الكفار والمشكرين لن يكون مأموناً، كما ولا ننسى المنافقين الذين لا يهدأ لهم بال وهم في عمل لا يفترون، لذا فإن هدنة السنوات العشر كانت بمثابة الضربة المنهجية التي أعادت للمؤمنين توازنهم بعد أن فقدوا الكثير في أحد.

نعم، ففي الأيام الأولى من الهدنة عسكر أجلاء الصحابة في كل بقعة من بقاع المدينة المنورة وجمعوا حولهم المسلمين في دروس فكرية تناولت العقائد والفقه والأخلاق والسياسة وغيرها من العلوم التي استقوى بها المسلمون فامتدوا فيها وبها إلى هذه القرون وما يليها إلى يوم القيامة.

من هذا الموقف الذي سجله الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في الحديبية يتجلى أمامنا درسٌ من أعمق الدروس في العمل الاستراتيجي بعيد المدى، فالمشاريع الرسالية الكبرى لا يمكنها الاستمرار بثبات إلا إذا كان المقوم لها جو فكري صريح الرؤى، واضح المعالم، وفي حال فقدانه فلابد من التوقف من أجل إعادة البناء الذي هو ملزوم المواصلة الناجحة.

إننا اليوم أشبه مانكون بالمسلمين في أُحُد؛ فهم هدَّوا التحصن بتركهم الحصن، ونحن اليوم هدمنا الفكر بتركنا الثقلين، وهذا واقع لا ينبغي مخادعة النفس بخلافه، بل المرجو هو وقفة صادقة وجادة نفهم في مساحتها بأن مشاكلنا ليست إقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية ولا أخلاقية ولا غير ذلك، ولكن أس المشاكل وأساسها في بعدنا عن حقيقة التدين والالتزام بالثقلين نظرياً وعملياً، وبهذا فقط ننال السعادة في الدارين، ورضوان الله تعالى على الشيخ النراقي إذا يعرف السعادة في كتابه جامع السعادات بأنها التوافق بين العقلين النظري والعملي، وهذا ما ننادي به بقوة.

نهضة فكرية شاملة نستوعب بها مختلف شرائح المجتمع، فنعود على صهوتها خيرَ أمة أخرجت للناس هي مانحتاجه اليوم، ولاشيء غيرها، فالمشكلة في الفكر وفي الانجذاب المقيت لهذه الدنيا وشهواتها مما انعكس على النفوس والعقول وبالاً.

السيد محمد علي العلوي

17 ربيع الأول 1431هـ

3 مارس 2010

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.