حاولت كثيراً، ولكنني لم أتمكن من استيعاب أن لا نكون نحن أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعة علي (صلوات الله وسلامه عليه) في مقدمة الحضارات مطلقاً، بل وأكثر من ذلك أنني أذهلني حال التردي الذي نعانيه على مختلف المستويات العلمية والفكرية والاقتصادية والسياسية، وحتى الأخلاقية والمعرفية، فبالإضافة إلى أننا لسنا في المقدمة عززنا ذلك في التقاتل على أن (لا) نترك طرق السقوط والهاوية!
محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وعلي (صلوات الله وسلامه عليه) الذي فتح الله سبحانه له ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب، والزهراء (عليها الصلاة والسلام) التي هي بضعة من الرحمة المهداة (صلى الله عليه وآله)، والحسنان ومن بعدهما تسعة من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) هم قادة الفكر وميزان الحضارة والتقدم، ندين بولايتهم المطلقة وقيادتهم العامة، فنحن نملك بهم كل مقومات الرقي والتحليق نحو الآفاق بكل قوة وثبات، ولكن الواقع هو أننا هنا في المؤخرة لا نزال في ذكر مستمر للفضائل والكرامات والمعاجز دون أن تحرك فينا الذكرى روح الإقدام والتمرد على قوى الأرض الدنيوية.
لماذا يا ترى؟ وأين المشكلة؟
إننا لو سجلنا قائمة بكل مشاكلنا وبلايانا، وبدأنا بطرح الأسئلة الأصل وهي: لماذا وكيف ومتى؟ وكررناها عند كل عمق جديد فإننا سوف ننتهي إلى أم المشاكل وأساسها بدون منازع، وهي مشكلة (الغيبوبة الإنسانية)!
نعم، نحن اليوم لا نعي شيئاً من إنسانيتنا والغاية من خلقنا والسبب في الوجود الدنيوي، وكيف أن كل هذا الخلق العريض موظف لخدمتنا والحفاظ على موازيننا الكونية.
إننا اليوم فاقدون لأعلى القيم وأجلَّها، إلا وهي القيمة الإنسانية بمعناها الأصل؛ حيث إن الإنسان وبمجرد أن يعي إنسانيته فإنه يجتنب كل رذيلة مهما صغرت، وكل موبقة مهما استُقلت، وفي نفس الوقت فإنه لا يترك شيئاً مما يعزز وجوده الإنساني من علم ومعرفة وثقافة ومودة وحب للآخرين…
إنها مأساة (الإنسان) هي التي نعيشها دون وعي بخطرها العظيم وسطوتها العمياء، وكم هو دقيق قول الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) لأصحاب يزيد (عليه لعنة الله): إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يوم المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم.
إن الحرية التي أرادها أبو عبد الله (صلوات الله وسلامه عليه) هي تلك المتحققة بمجرد أن يحترم الإنسان إنسانيته ويجانب كل ما يناقض طبيعتها من غير تكلف ولا تصنع.
فالمشكلة إذاً، أننا بعيدون جداً عن معنى الإنسانية ومبادئها وقيمها، وبالتالي أصبحنا بلا أهداف حقيقية وبلا مسؤوليات رسالية نستشعر أهميتها ليس بعقولنا وعواطفنا فحسب، ولكن بكل وجودنا الإنساني الراقي، لذا، فالدعوة اليوم هي: العودة إلى الإنسانية بالبعد عن كل ما يسيء إليها مطلقاً. فهل أنت مستعد لتلبية الدعوة؟
السيد محمد علي العلوي
10 ربيع الأول 1431هـ
24 فبراير 2010