بقلم – حسين خلف:
مسلسل “درب الزلق”.. مسلسل محفور في عمق ذاكرة المجتمع الخليجي، لا نكاد نمل مشاهدته، ولكنّني دائًما ما أجد متعة في ما يُسمّى القراءة الثانية والثالثة للنص وربما العاشرة، أمارس هذا الترف الفكري في كل ما أشاهد وأقرأ من أفلام، مسلسلات، مسرح، روايات، قصائد.
وهذا ما حصل معي وأنا أعيد مشاهدة أحد أكثر المشاهد المحبّبة إليّ في مسلسل “درب الزلق” وهو مشهد (اشعندهم بياعين النعل مضايقين التجار؟).. لأعود تلقائيًّا للمسلسل وبدايته.
“حسين بن عاقول” الفتى المستهتر المتمرّد، والحالم بحياة أفضل، والذي يملك (كاريزما) تجعلك تتعلّق به من المشهد الأول ثم تغفر له كل عيوبه؛ فتضحك وهو يسخر من طبخ أمه.. ولا تتعاطف مع “سعد” وهو يبيعه (الرادو) بثمن باهظ.. تنفجر ضحكًا وهو يضرب خاله.. تنتظر مشهده وهو يجعل (الدباب) [دراجته النارية] وهي تعبث بثلج (بوصالح) على أحرّ من الجمر.. وكل ذنب (بوصالح) أنه يريد أم حسين على سنة الله ورسوله!! بل إنَّه بدموعه في يوم عودته من البصرة يجعلكَ تظن أنَّ أمه ارتكبتْ خيانة عظمى وذنبًا لا يُغتفَر!!
ثم يحصل على ثمن (تثمين) المنزل، ويقنع أخاه “سعد” بمشاركته في جميع مشاريعه الفاشلة، وما إن يحاول “سعد” الفرار (بنصيبه) في أيّ منعطف من منعطفات الأحداث أو لنصيحة خاله حتى يغريه بالمنصب والجاه، فينكص ويعود عن رأيه.
وتمشي أحداث المسلسل شيئًا فشيئًا، ويتبخّر المال شيئًا فشيئًا، من بيع لحم الكلاب إلى مكتب المحاماة وصولًا إلى مصنع الكبريت، فضلاً عن محاولة شراء الأهرامات وأبوالهول ونقلها إلى الكويت. وينتهي به المطاف صبيًّا عند خاله “قحطة” يعمل إسكافيًّا في إصلاح النعل في المحل الذي طاف به قبل ذلك واضعًا (بشت) التجار على ذراعه وهو يصيح: (إشعندهم بياعين النعل مضايقين التجار؟!) وهو الفتى الغرّ على السوق الذين يتطلّب الدخول فيه كثيرًا من الخبرة والتمرُّس والدراية بدهاليزه وتحالفاته ومراكز القوة فيه وفنون التعاطي مع أربابه، فالدخول فيه ليس نزوة عابرة أو مغامرة شيّقة، فهي في الأغلب تسلب أصحاب الأحلام الوردية والطموح المتعجرف كل ما يملكون.
فصحيح أن “قحطة” بقي (بياع نعل).. و“بوصالح” بقي (بياع ثلج).. لكنَّهما لم يدخلا مغامرات أكلتْ الأخضر واليابس.
لم نتخلَّ عن “حسينوه” في كل هذه المراحل التي مرّ بها، وظلّ الجمهور وفيًّا لبطله الخارق صاحب المواهب المتعددة حتى اليوم. ولعلّ الحسنة الوحيدة لـ“حسين بن عاقول” هي محاولته للانسحاب من المشهد والحياة والاعتزال نهائيًّا حين حاول أنْ يرمي بنفسه في (الجليب)!
وبقيت النسخ الحقيقية من “حسين بن عاقول” في الحياة أمامنا، ما زالتْ تحاول وتحاول وتصرف ثمن البيت الذي بناه “بن عاقول” بعرقه وجهده وصبره، تصرفه شيئًا فشيئًا، ولا أعلم كم بقي من الرصيد!!
للأسف، ذهب الزمن الذي كان فيه الخال يحاول تأديب الصبية (بعقاله)!! نحن في زمن صار فيه الخال إما أن يركض خلف أحلام ابن أخته، أو هو صامت خائف من جمهور وعشّاق (حسينوه) يمشي مُرغمًا في (درب الزلق)!