أهبط الله تعالى آدم (عليه السلام) وزوجَه إلى الأرض قائلًا: “اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ”، ويبدو أن هذا العداء هو السر في استمرار الحركة الأرضية عمومًا، فالطبيعة الدنيوية طبيعة عمل وكد وخشونة وتحمل للشدائد وقسوة النوازل، ولذلك قضت الفطرة المجتمعية بأن المواجهة في الحياة هي من شؤون الرجل دون المرأة للموافقة الواضحة بين خشونة الحياة وخشونته، أما رقة المرأة فتقع على جبهة الضد دائمًا.
بضوءٍ من هذه الحقيقة نرى كيف أن الرجل يسير في اتجاه دنيوي واحد لا لون له غير التعب والكد والشقاء، وبنفس هذا الضوء نفهم الدور العظيم للمرأة في إعادة الرجل إلى إنسانيته من حيث التوازن والاستقرار، فمع كل خشونة تعززها الدنيا عند الرجل تأتي نعومة المرأة لتعالجها، وهكذا رقتها مع الجشب، ولطفها مع مرارة الصبر، واستقرارها مع الاضطراب، ولا تستقيم المعادلة إلا بهذا التكامل الذي تتحمل فيه المرأة الدور الأكبر.
نعم، المرأة هي محل الخير إن أرادت هي ذلك، ولا شبهة في أنها تكون محل الشر والكآبة إن لم تتمكن من الفهم الصحيح لمكانتها في ميزان الحياة، أما دور الرجل في تحقيق الاستقرار فبمجرد التفاعل مع العطاء السيال للمرأة الحكيمة الفطنة التي تقوم بوظيفة سترة النجاة للسباح في وسط المحيط بأمواجه المتلاطمة.
كما هو الحال في الفهم القويم لقضايا هذه الحياة الدنيا علينا التدقيق في المعادلات بتجرد تام عن أمرين مدمرين جدًا، الأول هو الموروث الثقافي بصبغة التقليد المقترن بالخوف من البحث والتنقيب والتحقيق، والثاني هو الاستسلام النفساني والشهوي للفكرة، فإذا توفر هذا المستوى من التجرد في الفكر والنظر كان المؤدى غالبًا إلى نتائج أكثر دقة وقربًا من الصواب بعد أن تتلاشى حمى (اللاكنات) التي طالما حطمت الكثير من الأطروحات والمقولات الإبداعية بمعول الاستسلام للواقعيات الخاطئة التي صنعها الإنسان بجهله وخضوعه لقوى القولبة الشيطانية الفاسدة.
يرفض الشارع العام اليوم الفكرة المعارضة لانخراط المرأة في ميادين العمل التي تفرض عليها مجموعة من القوانين الإلزامية ولو على مستوى الحضور والانصراف، وفي إطار هذا الرفض تأتي دعاوى المطالبة بحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل في مفاصل من قبيل مفصل العمل والوظيفة والقيادة وما نحو ذلك، وتصوير مخالفة هذه المطالبات بأنها تخلف ورجعية وقتل لدور المرأة وما إلى ذلك من توهمات ما كانت لتكون لولا الذهول الكبير عن حقيقة المعادلة التي تقرر أصل منشأها على حقيقة حقة هي عدم إمكان بل واستحالة استقامة الحياة التكاملية مع وجود أقل خلل في طرفيها وهما الرجل والمرأة، ومن محققات الخلل عدم الفهم الصحيح للطبيعتين الذكورية والأنثوية من جهة، وما يوافق كل واحدة منهما على صعيد العمل والاندماج من جهة أخرى، والمشكلة المتعاظمة فعلًا هي عجز المجتمع عن قراءة أصل المشاكل التي تعتصره، وأكثر من ذلك فقدان الشعور بالنوازل من مصائب وبلايا حتى أصبحت من الطبيعيات الأصيلة، وأي محاولة لمقاومتها تحسب في عداد التعدي على الإنسانية والطبيعة البشرية.
فلندقق قليلًا في بعض مما يطلبه العقل بخصوص المرأة..
يريد العقل المستقيم إمرأةً تعيش كل معاني الأنوثة الراقية في نفسها أولًا لتنعكس آثارًا إيجابية لما يحيط بها من طبائع الحياة وصِبَغِها، وهذه الأنوثة تنقضها أدنى مستويات الإلزام الخارجي، وهذا معلوم بالبداهة حيث إن الألزام بما هو إلزام ينفع في صقل الجانب الخشن في الشخصية الإنسانية، وهذا متوفر في الرجل فقط، فكلما مورست القوانين الإلزامية على الرجل كلما صقلت شخصيته وزاد لمعانها، أما المرأة فأي إلزام من خارج نفسها فهو محطم بمقدراه لانطلاقاتها الأنثوية، وآثار ذلك تظهر بوضوح تام في طريقة تعاملها مع نفسها ومع المحيطين بها من زوج وأخ وأخت ووالدين وأبناء، وعندما يبدأ الإعوجاج السلوكي عند المجتمع بالظهور فإن القراءة التحليلية تتناول كل شيء ما عدا السبب الأصل وهو فقدان المعادلة للأنوثة الحقيقية المرجوه من المرأة.
يريد العقل المستقيم أنثى في أعلى درجات الحياء والعفة؛ فتدني الدرجة في هذين البعدين يعني نزيفًا حادًا في الطبيعة الأنثوية المتقومة بالخجل الحقيقي والواقعي، وبمجرد أن تستسهل المرأة المشي بين الرجال والتضاحك معهم فإنها تضرب بعمق في أصل أنوثتها المقومة لمعادلة المجتمع، وبالتالي يأخذ التوريث للخطأ محلًا له في قلب التربويات المجتمعية حتى يتحول الاختلاط بين الجنسين إلى مطلب يُرمى معارضه بالتخلف والرجعية.
يريد العقل المستقيم أنثى تذوب في زوجها كذوبان السكر في العصير، والملح في الطعام، والذي لولاه لما كان للعصير طعم ولا للطاعم ذوق، ولكنها عندما قبلت بأن تذوب في ميادين الوظيفة والعمل الإلزامي كانت قد استهلكت جزء كبيرًا من عطائها الأنثوي ففقدت ما تقوم به معادلة الحياة، ولأن في ذلك مخالفة لفطرتها عمدت إلى تصنع الذوبان في زوجها حتى أنها تَمُنُّ عليه ذلك في كثير من الأحيان..!!
إن أردتُ تصوير المرأة فإنني لا أتردد في تصويرها بالروح التي تبث الحياة في شريان المجتمع الإنساني، بل هي روح التوازن الذي يُرجِعُ البشريةَ إلى مثاليتها الجميلة ورونقها البهي.. نعم هي كذلك لو تركت عنها دعاوى البلهاء واهتمت بالوقوف الدائم في ظهر زوجها وبين أضلع أبنائها، وفي أروقة العطاء الرسالي مع مثيلاتها، أما العيش في وهم متطلبات الحياة فلن يسد ولو كان منها ما كان؛ فالمتطلبات الحياتية كماء البحر لا يزيد العطشان إلا ظمأ..
توقفي أيتها المرأة، وارجعي إلى نفسك مفتخرة برساليتك الأنثوية التي يعجز عن سدها الثقلان ولو كان بعضهم لبعض عضدًا.. ارجعي فأنتي القادرة على إحداث التوازن المثالي في المجتمع.. ارجعي ودعي عنك التلفزيون بمسلسلاته الغبية وأفلامه البلهاء ومقابلاته الإفسادية مع فلانةٍ شيطانية وأخرى حيوانية.. ارجعي فبين يديك 90% من أسباب السعادة الإنسانية، والباقي في تفاعل الرجل مع ما تفيضين به من أسرارك الأنثوية.. ارجعي أيتها المرأة إلى أنثويتك، فالبشرية في حاجة إليك ماسة.. ارجعي وانهي هذا الفصل الحزين من فصول الضياع والتيه..
السيد محمد علي العلوي
5 صفر 1432 هجرية
10 يناير 2011