ثلاثة من علماء العامة، قالوا عن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 – 460 هجرية) أنه كان (شافعيًا) حين قدم بغداد وقبل تلَمُّذِه على الشيخ المفيد (رضوان الله تعالى عليهما)، والشيخ الطوسي هو ذلك العالم الذي فاقت مصنفاته الخمسين، فكان له: التبيان في تفسير القرآن، والتهذيب ومعه الاستبصار في روايات أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وورجاله والفهرست، والمبسوط في الفقه، والعدة في أصوله، والغيبة في قضية الإمام المهدي (أرواحنا فداه)، ومصباح المتهجد في السنة، وغيرها..
أما من قال بأنه (شافعي) ثم تشيع فهم: السُبكي في (طبقات الشافعية)، والسيوطي في (طبقات المفسرين)، والشلبي في(كشف الظنون)، وأمام هذه الدعوى نجد منا من يتجاوزها ويهتم كل الاهتمام بكتب الشيخ الطوسي (قدس سره) لينهل منها ويعالج ما فيها ويبني عليها، ونجد من يتوقف لسب السُبكي وصاحبيه والتشنيع عليهم (دفاعًا عن الشيخ الطوسي)!!
ونجد عقلية ثالثة تناقش الدعوى بعلمية تامة لغاية الوقوف على الظروف التاريخية التي عاشها الشيخ (قدس سره) لاستخلاص حقائق معينة أو ما شابه..
هذه عقليات ثلاث نلحظها في مثل هذه الميادين، وكل عقلية منها ترجع في سلوكها إلى ظروف موضوعية شكلتها ثم أطلقتها بين الناس، فمن يتجاوز ما لا يهمه ويركز على ما ينمي عقله وروحه ليكون سببًا يأخذ به إلى رضوان الله تعالى، هو في الواقع الحكيم الحصيف الذي نشأ أو خلق لنفسه أجواءً صالحة ينشأ فيها، وأما من يتعصب ويسب ويشتم ويشنع فإنه إما أن يكون ضعيفًا يعلق عقيدته وقناعاته بل وروحه على أسماء لها صداها في المجتمع، أو أنه من أولئك الذين لا يفقهون من الرجال غير أسماء وأوصاف وألقاب، وهذه هي العقلية التي أشير إليها بعد قليل إن شاء الله تعالى.
وأما العقلية الثالثة فهي عقلية علمية أيضًا تستفيد من كل طرح لإثراء البحث العلمي ورفد الناس بما هو جديد ومغني..
نرجع إلى العقلية الثانية ونأخذ منها محل الشاهد، وهو الجمود على اللقب والمكانة العلمية والنضوج الفكري، فإنه ومما لا شك فيه أن الشيخ الطوسي (قدس سره) أهل لأن يلقب بشيخ الطائفة، وهو بلا ريب مستحق لعنوان رئيس الإمامية، وتاج الكلام، فهو نصير الدين وناصر الملّة..
هذا كله حق بل هو أقل مما يستحقه رجل ترك للإنسانية هذا الإرث العلمي العظيم، ولكنه أولًا وأخيرًا عقلٌ تجرد ثم فكر وتدبر ودرس وذاكر وراجع وتفكر فأنتج وأثمر، وحقٌ له وللعلم علينا أن نأخذ بنتاجه، لنحلق بالأطروحة ونشق الآفاق بالفكرة لنعالجها ونطورها ونخرجها في صياغة تناسب روح العصر، عن علم وكفاءة ومعرفة لنسعد بصناعة طوسي وطوسيين وثلاثة وأربعة، لا أن نقتل هذه الطاقات العلمية الهائلة بالجمود على الألقاب والتوصيفات فلا غنينا ولا أغنينا!!
هذا الطوسي (قدس سره) وكلنا يعرف شأنه وعلو منزلته، ولكن المشكلة التي نعانيها اليوم إنما هي في توزيع الألقاب الضخمة على شخصيات بحسب تاريخها الحزبي أو مركزها في التيار أو قربها من منصة القرار وما نحو ذلك، والحق أن مثلها يخلق حواجز نفسية هائلة تمنع أو تعطل أو تقف حجر عثرة وربما كانت سيفًا مسلطًا على أي عقلية تحاول المناقشة أو النقد أو الرد أو المقابلة في طرح أو فكرة..
من أنت؟ من تكون؟ من أين أتيت؟ ما هو حجمك؟ هل تعي القامة التي تتجاسر عليها؟
لا إله إلا الله.. لِمَ كل هذه الاستنكارات؟ ومن أين جاءت؟ وما الذي خلقها؟
إنه التعظيم والتقديس من جهة، ثم الجمود عند خطوطهما فيتحول حوار العقل إلى: خط أحمر وآخر أسود!!
فليكن لقب (علَّامة) دافعًا لكل شاب وشابة نحو العلم والمعرفة والارتقاء بلا حدود.. ولتكن مثله ألقاب (فيلسوف وصاحب البصيرة والعالم والعارف.. وغيرها)، ولا ينبغي لها أن تكون منبعًا للإرهاب الفكري والقمع الثقافي والانسداد العلمي عند حدود من لقبوا بها..
إننا مجتمع إنساني قد اختار لنفسه التكامل عن طريق دين الحق.. دين محمد وآله الأطهار (عليهم السلام)، ومثل هذا التكامل لا تحده حدود ولا تقف أمامه ألقاب، فما وصل إليه الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي وغيرهم من جهابذة العلم والمعرفة، أنت قادر على أن تصل إليه وتتجاوزه لتسجل ارتفاعات جديدة لبناءات علمية متألقة..
السيد محمد علي العلوي
16 ربيع الثاني 1435 هجرية
16 فبراير 2014 ميلادية