أين يجد الإنسانُ في نفسهِ مَحَلَّ أو مُسْتَودَعَ الصور العلمية التي يتلقاها في كل لحظة؟
يشم رائحة.. يسمح صوتًا.. يلمح نملة.. يتأثر بالهواء ونسيمه.. يشعر بالحرارة والبرودة، وغيرها من الصور التي لا تتصرم ولا تزول، ولكنها تتحول إلى طور علمي يستقر في داخل الإنسان، وأيًّا كان مستودعها فإنه ما نطلق عليه الوعاء العلمي، أي ما يحتفظ بهذا الكم الهائل من الصور التي يستقبلها الإنسان عن طريق مجموعة الحواس التي جعلها الله تعالى فيه.
إن لهذا الوعاء المستقر في داخل الإنسان أحوال تشبه تلك التي تطرأ على الأوعية المادية التي نحفظ فيها الطعام والشراب، فهي قد تتعرض للصدأ، وربما أصيبت بتصدعات.. ولذلك هي تحتاج بالدرجة الأولى إلى صيانة وعناية، وثانيًا فإنها تُستبدل إذا فُقِدَ الأملُ في إصلاحها، وإلا فإن ما نريد حفظه فيه يتلف ويضيع، ولا يبعد أن يتسمم فينزل بنا الأمراض والأسقام..
أما الوعاء العلمي المودع في الإنسان فإنه لا يُستبدل إذا ما تصدع وتلف وختمَ الله تعالى عليه، وليس الإنسان ببعيد عن هذه الحالة إن لم يعتني به ويعمل على صيانته وتقوية جدرانه..
نعم، كلنا يلتقط الصور العلمية من حوادث ووقائع لا تحصى، ولكن منَّا من (يعيها) بالشكل الصحيح، ومنَّا من (يتوهم الوعي)، ومنَّا من لا يعيها أصلًا..
أما الأول فهو الذي تخلص من كل ما يبعده عن الفهم الصحيح والنظر ببصيرة ومعرفة من موروثات ومؤثرات وانقياد لما لا يصح الانقياد إليه بلا تعقل وتفكير وموازين صحيحة، ثم أنه طالع التاريخ واستخلص من تجارب الحياة قوانين الأيام وأنماطها، فهو مؤهل إلى أن يعي ما يعيشه إذا ما اكتملت عنده الحلقة الثالثة المهمة جدًا، وهي أن لا ينغلق على فهمه، بل
السيد محمد علي العلوي
16 فبراير 2014 ميلادية