لِردات الفعل حضور قوي في العلاقات بين الناس أفرادًا وجماعات، فمن يتبنى مشروعًا لضرب الآخر فإن بعض الأنماط التاريخية تأخذ هذا الآخر أو غيره لمشروع يكون فيه الضارب وذاك الضارب يصبح مضروبًا، وأكبر معضلة إنما هي في تحديد البادئ؛ فالقضية متجذرة في التاريخ ومتشعبة في الجهات حتى وصلت إلينا هكذا على الشكل الذي نشهده.
نعم، تبقى المصيبة في أن الضارب اليوم لا يفكر أبدًا في أنه عما قريب يتحول إلى الجانب الآخر فيكون مضروبًا، وإذا ما حانت اللحظة ظهر بين العباد مستنكرًا مبديًا حنقه على من أعلن عنه مضروبًا وعن نفسه ضاربًا، وينسى أنه قبل أيام كان ضاربًا وضاربه اليوم كان مضروبًا..!! كما تدين – يا عبد الله – تدان..
في تصوري أن الكثير من المجتمعات غير الإسلامية، وربما (الكافرة) قد تجاوزت منذ زمن مثل هذه الثقافات المُتْعِبَة، وتحولت إلى مجتمعات تدعم الاختلاف وتؤيد التعددية وتُطور مناهج الملاقحة بين الثقافات والأفكار، وأما في الطرف الآخر فإن المجتمعات الإسلامية والتي من المفترض أن تكون حاملة لريادة التعدديات الثقافية والفكرية، لا نجدها إلى قمة في التناحر وتبادل التهم المخرجة من الملة والدين!!
لقد جاء الإسلام دينًا عظيمًا من الله سبحانه وتعالى وبإدارة نورية معصومة لغاية تهذيب الإنسان ورفعه إلى درجات يتجاوز فيها ملائكة السماء بمناهج عقائدية وأخلاقية وفقهية عالية راقية بمجرد ان يلتزمها الفرد فإنه ينطلق بنور من الله تعالى يمشي به بين العباد (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)، ولكن الإصرار على الضد يظهر بوضوح في قطاعات واسعة في المجتمعات الإسلامية (وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث).
ينبغي لنا ملاحظة أن أغلب النزاعات الدائرة في مجتمعاتنا ترجع في مناشئها إلى عناوين إسلامية محددة، هذا والإسلام يوجه بقوة نحو (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وبالتالي فإن الطريقة التي تدار بها القضايا المختلف فيها بيننا كمسلمين تحتاج إلى مراجعة حقيقية واقعية وبمحاولات تركز على التجرد من النَفَسِ التحزبي لصالح المنهج الذي أبرزه الثقلان المقدسان في الصورة الإسلامية العامة التي نفهم منها أصولًا تُرَدُ إليها مجموعة الجزئيات والمفردات التي قد تكون دخيلة تارة ومفهومة بشكل مغلوط تارة أخرى، وهذا يحتاج إلى قوة موضوعية هائلة ينبغي السعي لتحصيلها تحصيلًا ثقافيًا صريحًا.
وكلمة أخيرة..
لا يُضرَب الإسلام اليوم برصاص البنادق، ولكنه يُضرب بشراسة من خلال تغيير المفاهيم بما يحوله من دين الجذب والاستقطاب إلى دين يُنَفِّرُ الأسوياءَ ويحتضنُ الأمراض النفسية التي تتغذى على الضديات وخلق الجبهات بمنهجيات التصيد والضرب تسقيطًا وتجهيلًا وما يقع في مثل هذه القوائم العكرة..
السيد محمد علي العلوي
22 ربيع الأول 1435 هجرية
24 يناير 2014 ميلادية