من الصعب جدًا إثبات الانتماء إلى المجتمع الإنساني لمن لا يستشعر المسؤولية الإنسانية منه تجاه مجتمعه، كما وأنه من الأصعب إدعاء المسؤولية ممن لا يعمل ويساهم في بناء المجتمع وتحريكه نحو التكامل، وربما كان مستحيلًا تصديق من يُحَدِّثُ عن الإصلاح والتقويم إن لم يكن مدركًا لطبيعة التحديات وحجمها.
وبذلك فإن في المقام ثلاثة محاور رئيسية:
الأول: الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع.
الثاني: العمل الأعم من التنظير والفعل في المجتمع لغاية البناء والتقدم.
الثالث: الإحاطة بحجم التحديات وطبيعتها.
عندما نريد التحدث عن مسؤولية الفرد تجاه المجتمع الإنساني فإننا نجدها (المسؤولية) نتيجة للشعور بالانتماء الحقيقي للمجتمع، والإيمان بأن الفرد مؤثر ومتأثر في مجتمعه؛ فالصلاح والإصلاح عملية متبادلة بينهما، إن صلح أحدهما كان سببًا لصلاح الآخر بحسبه.
المشكلة أن ضعف الشعور بالمسؤولية فضلًا عن عدمها سببٌ خفي غاية في الخطورة أدى ويؤدي بنا إلى مزيد من التخلف القيمي والتشوه الأخلاقي، كما وأنه مقدمة رئيسية بل ومحورية لما نعانيه من التفرد وظواهر الاجتهادات الشخصية في ما يتعلق بمصير مجتمع بأكمله، والحاصل أن من نتائج الضعف في الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع أنه أثر بقوة في فلسفة العمل فحولها من فضيلة العمل من أجل الكل إلى رذيلة إثبات الذات على حساب الآخر، وبذلك أصبح البقاء للأقوى والانتشار لمن يتقن مهارات الصعود على أعناق الآخرين، والأساليب في هذا الميدان كثيرة!!
ولكن.. وفي وسط الفوضى القيمية التي تعصف بالمجتمع (البشري) تبقى هناك طاقات صادقة وكفاءات مخلصة نحتاج منها الوعي بحجم التحديات التي يواجهها (الإنسان)، وهنا أطرح نظريتين في مجال الإصلاح:
النظرية الأولى: مواجهة السلبيات:
تعتمد هذه النظرية على النقد أولًا وفضح السلبيات ثانيًا ومحاربتها ثالثًا، ومنهج المحاربة هو التركيز على السلبيات تقريعًا وإعابة.
المشكلة هنا أن السلبيات التي يراد معالجتها تستشعر الخطر بشكل مضاعف حتى تتحول في نظر صاحبها إلى إيجابيات يراد سلبها، ومن وراء هذا التحول تنمو طاقات التبرير وتستقوي مهارات الدفاع وتبرز قوى المواجهة محاولة تحقيق هجمات عكسية، وبالتالي تضمحل نوايا الإصلاح وتحل محلها نزعات الانتقام والمبارزة، وهو ما نشهده واقعًا في عموم مجتمعاتنا البشرية و(الإسلامية) منها على وجه الخصوص.
النظرية الثانية: تقوية الإيجابيات:
تعتمد هذه النظرية على النقد أولًا، وتتحرى العلمية فيه، ثم أنها ثانيًا تدفع نحو بناءات جديدة تتجنب فيها السلبيات التي انتقدتها في المرحلة الأولى، فهي تعتمد في روحها على تقوية الإيجابيات ونشرها، وتوسعة المساحات القابلة لاستيعابها، والنتيجة الطبيعية ومقتضى استحالة إشغال المشغول فإن قوة الإيجابيات إذا فاقت قوة السلبيات فإنها تنحيها لتأخذ مكانها.
لا أشك في تميز النظرية الثانية وتفوقها على الأولى، ومفتاح ما أذهب إليه هو الإجابة على السؤال التالي:
هل شهد التاريخ جدلًا (وإن كان منطقيًا) انتهى إلى رأي استوعبه وسلم إليه وآمن به طرفا الجدال؟
ما أدركتُه حسًا وحدسًا إن كل واحد من الطرفين يذهب للاحتفال (بانتصاره) على الطرف الآخر، وبالفعل فإن كل واحد يعتقد جازمًا بأنه قد انتصر، والسبب في ذلك أن النية ليست نية إصلاح وتطوير وبلورة للثقافات والأفكار، ولكنها نية إفحام وإسكات وغلبة وسمعة، ولذلك تجد روح الردود روحًا نقضية حتى في ما تتوهمه حلًا، والنتيجة أن المتجادلين يتحولان تلقائيًا إلى أعداء، والعلة الأصل هي اعتماد كل منهما على إظهار سلبيات الآخر وزلاته وخفقاته ليحاربه بها.. ولا بناء غير: فإن قالوا، قلنا.. وإن قيل، فالرد..!!
وتَمَيُّز النظرية الثانية (نظرية تقوية الإيجابيات) بأنها لا تؤمن كثيرًا بالجدل وصناعته وفنونه ومهاراته، ولكنها تؤمن جدًا بالقوة في تشخيص السلبيات ثم نقدها علميًا، ومن بعد ذلك البدء في مشروعِ أو مشاريع بِنَاءٍ جديدة تتجنب فيها ما انتقدته بالأمس وتركز على خلق إيجابيات تقوم على قابلية الانتشار متجاوزة كل صراخ وزعيق من هنا وهناك.
السيد محمد علي العلوي
18 ربيع الأول 1435 هجرية
20 يناير 2014 ميلادية