يقال أن شخصًا غير كارل ماركس قالها ثم جددها ماركس وبعث الروح فيها، وعلى أية حال هي قيلت ولم تقل مقولة باطلة بالنظر إلى المصداق الغالب في الخارج.. (الدين أفيون الشعوب)!!
وأين الخطأ في هذه المقولة؟
لقد جائت الشيوعية بروح تغييرية وإرادة حديدية لصناعة واقع جديد يقوم على أسس وضعها فلاسفة ومفكرون كبار لو كانوا في خدمة القرآن الكريم وما ورد عن العترة الطاهرة لكان الإسلام اليوم يحكم الأرض من أقصاها إلى أقصاها، ولكن –للأسف- فدعوتهم كانت دعوة باطلة سرعان ما تلاشت واضمحل سقاها، وإلا فالقائمون عليها كانوا بركان بذل وعطاء تنظيرًا وعملًا، فانتشروا بفكرهم الشيوعي في مختلف أصقاع الأرض.. هل تعلم بأن الإتحاد السوفيتي طبع ووزع في سنة واحدة فقط واحدًا وعشرين مليارًا من الكتب في الوقت الذي كان فيه عدد سكان العالم أربع مليارات؟ وهل تعلم أن كتاب ماوتسي تونغ (الكتاب الأحمر) قد ترجم إلى أربعمئة لغة ولم يكن حينها قد مر حتى نصف قرن على الماركسية المادية؟[1]
فكروا ونظروا ونظموا وعملوا من منطلقات مادية بحتة، وهكذا كان الرأسماليون أيضًا.. فأين المسلمون إذن؟
أوليس الإسلام هو الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) ليحكم الأرض ومن عليها بالعدل والإنصاف مما يورث لعامة البشرية الخير والرفاه؟ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).. هذا حق وليس من أحد يصارع الحق إلا وكان من الخاسرين عاجلًا أم آجلًا، ولذلك لم يحارب الكفرُ الإسلام، ولم يحارب المسلمين، ولكنه عمد وبدهاء عجيب إلى تحريف المفاهيم وحصر صورة (التدين) في زوايا المساجد وتحويل (المتدين) إلى شبح كل همه في التثبت من عدد التسبيحات الأربع في الثالثة والرابعة إن كانت واحدة أو ثلاث!!
لا أيها الأحبة، فالعبادة من صلاة وصوم وحج وزكاة وخمس وغيرها إنما هي الداينمو والمحرك بمدد من السماء لعجلة الخلافة الإلهية في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، وكما بين الشهيد الصدر الأول (قدس سره) في كتابه (الإسلام يقود الحياة) أن خلافة الله تعالى في الأرض شرف ألبسه الإنسان عامة، وأما الأنبياء فمقامهم مقام الشهادة (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا)، وهذا يعني أن الإنسان مكلف قطعًا بإقامة حكم الله جلَّ في علاه، والشاهد عليه في هذا الإمتحان هو النبي لكل أمة.
نفهم من هذه المعادلة القرآنية الدقيقة بأن العبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) إذا لم تكن الوقود الذي يحرك المؤمن ويفجر طاقاته في ميادين العمل والجهاد في سبيل إقامة دولة الحق، فهي حينها صورة بلا مضمون، وهذا ما كان عليه المسلمون لقرون طويلة حتى قال قائلهم: “الدين أفيون الشعوب”!!
والله، أقولها (بكسر الهاء) لو أننا فقط نفهم عظيم ما يمكن للشعائر الحسينية أن تقدمه لدين الله لكان إحياؤنا لها طريق لا ينتهي بنا إلا برفع راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله على رؤوس الأشهاد وبرضى منهم وتمام قبول، ولكننا –وللأسف- حتى هذه الشعائر حولناها لشيء آخر هو جيد بلا شك وحسن، ولكنه درجة أدنى من درجات المطلوب، ولذلك عمل المفسدون بجهد كبير على حصر الشعائر في هذه الزاوية التي هي فيها اليوم..
هناك دليل نفساني على صحة ما قلته في السطور السابقة، وبه أختم هذا المقال:
من طبيعة الشعائر الدينية الإسلامية عمومًا أنها تحرك روح الجهاد في عمق نفس المتدين، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على دول الظلم والجور والطغيان، ولكن هذه الطاقة (الدينية) لا يمكن كبحها أبدًا، فكان المخرج للشيطان أنه وجهها للدخل البيني.. ألا ترى بأننا وفي صراعاتنا الداخلية نكون كالسباع الضارية على بعضنا البعض؟ هذا هو في جوهره عين ما من المفترض أن يكون موجهًا في سبيل إقامة دولة الله سبحانه وتعالى..
أكرر.. مهمتنا هي الجهاد في سبيل رفع راية العدل المهدوية، وهذا يحتاج إلى طاقة كبيرة وروح وثابة متحفزة، ولا طريق للتوفر على ذلك غير العبادة التي جعلها الله سبحانه وتعالى كآلة الحرب يدخلها الإنسان لينطلق رصاصة في قلب كل ما يعادي الله ويسعى لتقويض دولة الحق ورايتها.. فالعبادة طاقة متوهجة، وليست صومعة وانكسار..
السيد محمد علي العلوي
5 ربيع الثاني 1433هـ / 27 فبراير 2012م
[1] – من كتاب: السبيل إلى إنهاض المسلمين، للمرجع الراحل الإمام الشيرازي (قدس سره)