عندما تقصد تعاطيًا ناجحًا مثمرًا مع جهة معينة فعليك أولًا التعرف على المعالم الرئيسية لشخصيتها، فتعاطيك في الواقع هو مع الشخصية من حيث الفكر والثقافة والطباع، أي أنك محتاج إلى معرفة النسق العام للمعتقدات والمفاهيم التي تؤطر حراك تلك الشخصية، وهذا ما يسمى عمومًا بالآيديولوجيا بحسب تعريف علم الإجتماع، ولا يهم كون هذه الشخصية على حق في مبانيها أو على باطل، ولكن المهم هو مدى تمسكها بتلك المباني قناعة وتصريحًا وممارسة وتطبيقًا، وبقدر عمقها في هذا الجانب بقدر ما تكون ذات شأن في الأوساط الاجتماعية والسياسية خصوصًا، وبحسب قرائتي لم أجد وجودًا بشريًا قويًا إلا وله عمق آيديولوجي بالمعنى المتقدم (عمق في المعتقدات والمفاهيم).
فلننظر إلى قضيتنا المبكية المضحكة، القضية الفلسطينية التي ما اجتر شيءٌ في تاريخ البشرية كما اجترت هي على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، ولنلاحظ العمق الآيديولوجي للفلسطينيين ونقارنه بما عليه اليهود وذراعهم الضاربة المسماة بالصهيونية على وجه الخصوص، سنجد بما لا يدع مجالًا للشك أن قوة المحتل اليهودي نابعة في أصلها وفروعها من التوراة في خطوطها التأصيلية ومن التلمود في تفاصيلها، فاليهود لا يقاتلون هكذا رغبة في مجرد الاحتلال والتمدد الجغرافي وبسط سلطانهم حكمًا وثقافة، بل هم يندفعون بلا أدنى نية للتراجع من منطلقات توراتية تلمودية حقيقية، ويكفي هنا أن نشير إلى أصل واحد من أصولهم العقائدية هو ذهابهم إلى أنهم العنصر البشري الأوحد ومن دونهم ليسوا إلا حيوانات ألبسهم الله –والعياذ بالله- الثوب البشري لخدمة اليهود فقط، ولذلك يجب على غير اليهودي أن يكون عبدًا خادمًا لليهودي بل وأن يكون متشرفًا بعمله هذا، وبطبيعة الحال وطالما أن عقيدتهم تلك تأتي من التوراة والتلمود فهي الطريق إلى رضا الله سبحانه وتعالى!!
وفي الجانب الآخر نسجل الحضور الأقوى في الجهاد ضد المحتل اليهودي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي بالرغم من قلة العتاد وصعوبة التنظيم، إلا أنهما يشكلان العقدة الأبرز في معادلات اليهود، والسبب أنهما ينطلقان في جهادهما من منطلقات دينية قرآنية، فهم في عمقهم الآديولوجي لا يقلون عن اليهود، في حين أن منظمة فتح ومن يدور في فلكها يتبنون الفكر الوطني والدفاع عن الأرض من منطلقات وطنية لا تتعدى همتها مساحة وجودها الجغرافي، ولذلك هي على استعداد لأي تسوية تعطيها بعض الكيلومترات لتكون منها وطنًا، وحقًا أقول أنه لو لا وجود حماس والجهاد ومن معهما ومن قبلهما من حركات العمق الديني لبيعت القضية منذ زمن بعيد!!
تدرك الإدارة العالمية أهمية (العمق الديني) في حركة الشعوب، ولذلك كانت مهمة تفكيكها ثقافيًا في مقدمة مخططاتها، وهذا ما يوقفنا على حقيقة ما وراء معاناتنا على مختلف الأصعدة وخصوصًا تلك التي نواجه فيها الظم والجور والاستبداد، وهذا الأخير له عمق ديني أيضًا ولذلك انتصر وينتصر علينا في الوقت الذي لا زلنا نبحث فيه عن هويتنا وتحديد معالم شخصيتنا!!
لاحظوا اليهودي يخرج بين الناس بطاقيته التي تميزه ويقف أمام ما يسمى بحائط المبكى ويأتي بحركات (غريبة مضحكة) عندما يتمايل إلى الأمام والخلف وهو يقرأ صلاته أو دعائه، ولكنه لا يخجل ولا يستشعر شيئًا من الدونية أو ما شابه على الإطلاق.. إنه قوي، بل قوي جدًا لأنه متدين.. ومثله الرأسمالي الذي يعلن دينه الشهوي بلا حياء ولا خجل أبدًا بل باعتزاز وعن عقيدة راسخة، وكذلك الماسوني واللاديني، بل وحتى عبدة الشيطان يطرحون أنفسهم بقوة غير مكترثين بقول هذا وأقاويل ذاك، ولذلك هم في قوة ينتشرون ويغزون ويسيطرون ويتوسعون.
يا سبحان الله.. الأمة الوحيدة التي تبحث لنفسها عن شخصية تلائم (الجو العام) هي أمة الإسلام!!
الأمة الوحيدة التي تخاف من (كلام الناس) هي أمة الإسلام!!
الأمة الوحيدة التي التي تعين أعداءها على استهجانها هي أمة الإسلام!!
الأمة الوحيدة التي لا تتبنى دينها منهجًا وتطالب به سلطانًا هي أمة الإسلام!!
لن تنتصر.. أقولها وبقدر يقيني ألم.. أمة الإسلام لن تنتصر إلا براية حق تعتز بالقرآن اعتزاز تصريح وممارسة لا اعتزاز (تتحيف وتزيين).. لن تنتصر هذه الأمة وقد تركت قرآنها لاجئة إلى دساتير الوطنية والعلمانية والليبرالية والبعثية والتقدمية وكأن القرآن لا قدرة له على تجاوز كل البشرية تجاوز استيعاب واحتضان بسعة علم وإدارك!!
غريب أمر هذه الأمة وهي تجتهد في بحوث (الديموقراطية) والمطالبة بها على نسق الإنجليز والفرنسيين، والعاجزة الخانعة لا تقوى على طرح علي بن أبي طالب (عليه السلام) منهجًا وسلوكًا، وأكثر من ذلك أنها تخجل وتداري عقيدتها في قائدها ومخلصها الإمام المهدي بن الحسن (عليه السلام) خوفًا من العالم أن يقول عنها أنها (دينية)!!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أي هوان هذا وأي ضعف قد تشربته العروق؟
بالرغم من ضلال الوهابية إلا أن اتباعها لا يمكن تجاوزهم اليوم، أتدرون لماذا؟ لعمقهم العقائدي الديني ليس إلا.
فمتى نفهم المعادلة جيدًا ونرجع إلى قواعدنا الإسلامية بفخر واعتزاز ونعمل بالقرآن الكريم وعترة الرسول العظيم مصرحين شامخين لا متراجعين مستحين؟
أيها لأحبة.. نحن لسنا في حاجة لغير القرآن الكريم والعترة الطاهرة ومن يمثلهما رجل دين كان أو غير ذلك، وإن لم نرجع إلى هذا العمق الديني وبقينا على شعاراتنا الخاوية فسنبقى ضعافًا لا وزن لنا ولا ريح، وهذه كلمة أقولها قربة إلى الله سبحانه وتعالى:
نحن مسلمون متدينون نسعى فقط وفقط لإقامة حكم الله سبحانه وتعالى في الأرض تمهيدًا لدولة إمامنا المهدي المنتظر (صلوات الله وسلامه عليه).. نحن إسلاميون وسعينا لدولة إسلامية شامخة لا تعتدي على أحد بل تستوعب كل أحد، ولكنها في وجه الظالم سيفًا يضرب بسم الله قاصم الجبارين.
السيد محمد علي العلوي
1 ربيع الثاني 1433هـ / 23 فبراير 2012م