أنْ تنشغِلَ وتركِّز همَّكَ في إثباتِ صدقك أو إخلاصك أو استعداداتك الطيبة للآخر، فهذا أمرٌ في غاية السوء..
يلجأُ الطبيبُ المؤمنُ المتدينُ إلى العالِم طلبًا لكلمة الشرع في عموم أعماله، وخصوصًا في ما يتعلَّق بالمسائل الطبية، وهذا أمر طبيعي..
هكذا هي الحياة.. لكلٍّ منَّا تخصُّصه وميدانه وموقعه..
قد يحضرُ الطبيبُ بعضَ الدروس في الفقه أو في التاريخ أو في اللغة العربية، أو ما شابه، وهذا أمر جيِّد محمود..
وبالمثل، قد نجدُ العالمَ أو طالبَ العلوم الدينية في موقع من مواقع الخدمة أو المواجهة أو ما نحوها، وهو أيضًا أمر جيِّد محمود..
إنَّما السوء فيما إذا كان حضور الطبيب لدرس الفقه ليقول: أنا هنا، فلا يعايرَنِّي أحدٌ ببعد عن دين أو ما فيه من فِقه وما شابه!!
نفسُ الأمر بالنسبة للعالِم وطالب العلوم الدينية، فإنْ تواجَد في خدمة مجتمعية، أو في صفٍّ من صفوف المواجهة والمخاطر، فمن المفترض أن يكون ذلك لما وجده من احتياج الموقع له، لا احتياجه هو للموقع..
فلننتبه..
لا يُقال: كان أميرُ المؤمنين (عليه السلام) عالِمًا فقيهًا، ووجدناه في ساحات القتال وغيرها..!!
لأنَّا نقول: الأئمَّة (عليهم السلام) كُمَّلٌ لا تحصرهم ولا تقيدهم التخصصات، فالإمام (عليه السلام) قمَّة في الفقه وقمَّة في علم الطب وقمَّة في العلوم العسكرية.. وهكذا هو (عليه السلام) قمَّة في كلِّ علم وفضيلة وكمال..
أن نعيش هاجس الآخر وماذا سيقول عنَّا، وأنْ نسعى دائمًا لإسكاته والرد عليه، فهذا سيءٌ، بل هو في غاية السوء..
كشخص عادي من عامَّة الناس ومن أبسطهم وأقلِّهم حظًّا من العلم والفهم، أقول: أستاء جدًّا من المشاهد والتصريحات والقصائد والأشعار التي تسعى دائمًا لإثبات تواجد العمامة في كلِّ مكان!!
في الجامعات.. في المستشفيات.. في خدمة الزوَّار.. في الجبهات.. في تنظيف الشوارع..
العِمامةُ سكَّةٌ وازنت وحفظت الحياة البشرية، وليس الشيعة فقط، على مرِّ العصور، وهذا أمر واقع وحقيقةٌ يفهمها من يمتلك شيئًا من الموضوعية في قراءاته ورؤاه..
فلنفهم جيِّدًا أنَّ العالم بأسره يعيش تيارات وتموجات الانفعال وردود الفعل، مع وضد الرسالة المحمدية أصولًا وفقهًا وعقيدةً وتاريخًا، وهي المحفوظةُ منذ الغيبة الكبرى لصاحب الأمر (عليه السلام) في كتب الحديث الشريف وفي العمامة الكريمة والفقهاء والحوزات العلمية، وهذا هو الصراط المستقيم الذي يشغل إبليس الرجيم ليلًا ونهارًا..
قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
أرجو أن أكون قد وفِّقتُ لتوضيح وجهة نظرٍ أراها صحيحةً..
كلمة أخيرة..
إنَّ الذين يتَّهمون العمامة بالبعد عن الناس وعن مواقع العمل والجهاد والخدمة، هؤلاء لن يصمتوا ولو أوقد لهم العلماءُ وطلبةُ العلم أصابعَهم شموعًا.. هؤلاء أسخف من أن ينشغل بهم عاقل..
فلا نساهم أيُّها الأحبَّة في أنْ يكون الحجر مثقالًا بدينار..
تاريخ المنشور: 2 أبريل 2020 للميلاد