مسؤولية إعادة النخبة إلى واجهة المجتمع

رسالة إلى مكتبة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) العامَّة

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمَّد وآلِه الطيبين الطاهرين

وفَّق اللهُ سبحانه وتعالى ثُلَّةً مِنَ الشباب المؤمن في قرية بني جمرة إلى تحمُّل همِّ التأسيس لمكتبة عامَّة في قريتهم العريقة، ومع عزمهم وصدقِهم وُفِّقوا للمضي في هذا المشروع المبارك إلى أن افتتحوا بالفعل المكتبة التي اطلقوا عليها اسم: مكتبة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) العامَّة، وكان ذلك في مساء يوم الجمعة 23 ربيع الثَّاني 1444 للهجرة، فالحمد لله ربِّ العالمين، والشكر له سبحانه دائمًا أبدًا.

وفي المقام كلام..

لا شكَّ في أهمية العزيمة الراسخة، والهمَّة الناهضة لإبداع الأفكار وتحويلها إلى واقع حيٍّ، غير أنَّ هذه لا تكفي ضمانًا لاستمرار المشروع واستدامته على أرض الواقع؛ وذلك للاختلاف الكبير بين تحديات إقامة المشروع، وبين استدامته.

لقد رأينا وتشرَّفنا بحضور افتتاح مكتبة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) العامَّة، ورصدنا دقَّة الشباب في التنظيم والترتيب، واعتمادهم على أنفسهم في بعض القضايا التخصصية مثل تصنيف الكتب ونظمها في الرفوف الخاصَّة، فهذا عِلمٌ تخصُّصي يُدرَّس في الجامعات، ولكنَّ شباب المكتبة اجتهدوا لمحاكاة مقاصد التصنيف بما أوتوا مِن قوَّة ذهنية عفيَّة، كما ولمسنا تطلعاتهم للنهوض بالمكتبة وتطويرها والوصول بها إلى مستويات متقدمة.

إنَّه لمِنَ الأهميَّةِ بمكان أن ينتبه الأحبَّة إلى أنَّ الرياح لا تجري دائمًا على ما يشتهي السَّفَّانُ، بل في الكثير من الأوقات تكون على خلاف ما يريد، وحينها عليه أن يُتقِن استعمال الشراع وإلَّا فالخشية من أن تكون سفينته أقرب إلى الانكسار في وسط البحر.

فأقول لشباب مكتبة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) العامَّة:

هذه مكتبتكم أنتم، فحتَّى لو قضيتم الأيَّام والليالي دون زائر واحد لها، فانتم زوَّارها، فاعقدوا العزم على قراءة ما فيها من كتب، واسعوا دائمًا إلى رفدها بالمزيد من الكتب القيِّمة.

لو أنَّكم تشرعون في قراءة مُنظَّمة لكتب المكتبة فعن قريبٍ سوف تكونون نواة حقيقية لنخبةٍ نتطلع إلى أن تكون في واجهة مجتمعنا المؤمن إن شاء الله تعالى. وهذا مع دعائنا إلى أن يكون للمكتبة زوَّارها، وأن تكون محلًّا ومنطلقًا لجيلٍ من المثقفين والقراء بما فيه طاعة الله تعالى ورضاه.

ثمَّة مشكلة ثقافية ينبغي لشباب المكتبة ملاحظتها والاهتمام بالمساهمة في حلِّها، وهي مشكلة الالتقاط حتى بين مَن نفترض فيهم النخبوية الثقافية في المجتمع، وأعني بالالتقاط تجوُّل القارئ بين الكتب وصفحات الشبكة العنكبوتية والتقاط ما يريده منها دون أن يكلف نفسه قراءة البحث أو حتَّى المطلب كاملًا!

وهناك مَن يقرأ على وفق بِدَعِ القراءة المسحية أو السريعة أو الاتتقائية أو غير ذلك ممَّا جعلوه من أنواع القراءة.

والحقُّ أنَّ هذه التقسيمات لا تصحُّ إلَّا باعتبار الغاية من القراءة، وهذه الغايات لها شرائطها الخاصَّة، فالقراءة الانتقائيةِ مثلًا، ليست قراءة ما لم يكن القارئ قد قرأ الكتاب أو المقال مسبقًا، أو أن يكون انتقاؤه بناءً على فهرسة صحيحة للكتاب. وكم وجدنا اقتباسات نسبها الكاتب إلى صاحب الكتاب المُقتبس منه على أنَّها رأيه، وعند المراجعة وجدنا بعضها آراء يناقشها الكاتبُ ويورد عليها!

وكم مِن ناقد لكتابٍ أو حتَّى مادح له لا يقوى على مناقشة موقفه من الكتاب، وعند السؤال والتقصي يتضح أنَّه لم يقرأ أكثر من المقدمة، ويزعمُ وضوحَ الكِتَابِ مِن عنوانه!

لقد طالت مِنْ يُفتَرَضُ فيهم النخبوية آفاتُ الالتقاط، والانتقاء، والمسح، وما في حكم ذلك مِن جُذام القراءة وجدري الثقافة!

إنَّكم أيُّها الأحبَّة في مكتبة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) العامَّة تواجهون هذا المستوى من التعَقُّد في أمراض ثقافيَّة يعانيها المجتمع ويعتلُّ منها، وعليكم فهم هذا الواقع جيِّدًا، واستيعاب حيثياته دون أن تقعوا في مهاوي الصدمات ومقاتل الخمول والتكاسل، بل من المفترض أن يبعثَ هذا الواقِعُ فيكم روح الإصرار والسعي الحثيث لتغييره وخلق واقع جديد..

إنَّ لأجواء المكتبة آثارها الخاصَّة في نفس من يفهمها ويعيش جمالها، لذا فإنَّ في مجرَّدِ الكون بين الكتب سعادة لا تُوجد في غير أماكن العلم والمعرفة، ومن هنا فإنَّني أضع بين أياديكم الكريمة مُقترحًا أراه جوهريًّا في مشروعكم المبارك..

أقترح عليكم اتِّخاذ المكتبة مركزًا للمحاضرات والندوات والدورات العلمية على وفق جدولة سنوية واضحة المعالم والغايات، فنحن في حاجة ماسَّة إلى محاضرات حول الواقع الثقافي والفكري الذي نعيشه اليوم، وحول الكثير من المفاهيم التي نفتقر إلى الوقوف عليها بدقَّة، كما ونعاني نقائص واضحة في التعرف على أدوات التحليل العلمي وما في حكمها من أدوات الاستشراف الثقافي لأجيال قادمة.. وينبغي أن يُدْعَى مُتخصِّصون حقيقيون للتصدي لمثل هذه المحاضرات..

أمَّا الندوات فتتميَّز بواقعها التفاعلي، ومن شأنه أن يتنامى تناميًا إيجابيًّا بالتوازي مع تَحَسُّن نبض المحاضرات. كما ومِن جنس الندوات لقاءات المراجعة والتقديم للكتب المقروءة، وهذه لا ينبغي أن يخلو منها شهرٌ حتَّى تكتسب المكتبة عنوان الملتقى الثقافي عن جدارة واستحقاق.

ثُمَّ أنَّني لا أخالكم غافلين عن حاجتنا الماسَّة لدورات تخصصية في الطرق العلمية لتلخيص الكتاب، ولكتابة المقالات، والبحوث، وما نحو ذلك ممَّا يتعلَّق بالقلم والورقة.

أبنائي الأعزَّاء.. افهموا جيِّدًا بأنَّ مشروعكم هذا لم يُوجَد إلَّا ليبقى في أجيال قادمة، فكونوا على قدر المسؤولية، فهي عظيمة جدًّا، وربَّما أكثر بكثير ممَّا تتصورون، واحذروا ثُمَّ احذروا أن تكونوا ضوء الليف إذا مسَّته نار.

لن أطيل.. وإلَّا فما في الصدر يعجز عن حمل مجلداته جَمَلٌ صبور..

 

مع صادق دعائي وخالص تقديري

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

25 ربيع الثَّاني 1444 للهجرة

البحرين المحروسة  

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.