المرجعية الدينية واشتباهات بعض (المصلحين)

بواسطة Admin
0 تعليق

تتعاقبُ عَلينَا إثَارَاتٌ حول أصحاب السماحة المراجع والعلماء، وكذا حول الحوزات العلمية الشريفة، موسومةً بالعِلمِية، متلبِّسةً ثوب البحث والمطارحة، ومع تكثُّرها، فإنَّنا نلاحظ حالات من الثلب والإعابة تطال المقام الشريف لِعُنْوَانَيِّ المرجعيَةِ والعلماء قصدًا أو بسبب ضعف القدرة على التفريق بين المفهوم والفرد الخارجي، والأقوى، في النظر القاصر، أنَّه استغلال خبيث لضعف قدرة الناس على التفريق بين مفهوم المرجعية وأفراد المراجع، والقصد هو تشويه المفهوم وإسقاطه.

استمر المؤمنون منذ زمن الأئمة (عليهم السلام) على خط احترام العلماء وتقديرهم امتثالًا لأوامر أهل بيت العصمة (عليهم السلام) وبعدما وقفوا في الأحاديث الشريفة على جلالة قدرهم وعلو ما لهم من شأنٍ عند الله تعالى، وكما وكانوا يتفهمون تمامًا اختصاص السوء بصاحبه، فلا يعمِّمون سيئةً على الإطلاق، فهم يعون جيِّدًا ما كان من علي بن أبي حمزة البطائني من وقف على الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد أن كان وكيلًا له! وكذا ما عرض على الشلمغاني من انحرافات خطيرة في زمن الغيبة الصغرى، وهو الذي كان من أكابر مشايخ الدين المشهود لهم بالتقوى والورع!

لم تُؤثِّر مثلُ هذه الحالات في تعلُّق المؤمنين بالعنوان العام للمرجعية الدينية، ولم يبتعدوا عن العلماء، بل وبقوا مخلصين لهم مدافعين عن حياضهم وكرامتهم، ولذلك حفظهم الله تعالى وأعزَّهم وصان كرامتهم على مرِّ العصور؛ فبالرغم من حملات الإبادة المستعرة، إلَّا أنَّ شيعة أمير المؤمنين (عليهم السلام) يرتفعون دائمًا ويسمون أبدًا، لأسبابٍ، من أهمها تمسكهم بالمرجعية الدينية والعلماء.

ليس هذا بِدعًا من القول، ولا هو بمستحدث من الأمور، فمن أسرار النجاحات العامَّة اجتماع الناس خَلْفَ قَادَةٍ يقلدونهم أمورهم، فيبقون في عزٍّ وكرامةٍ، وما إن تُضرَب القيادة إلَّا وتسارع التصدُّع إلى الجماعة ما لم يكونوا قد أعدُّوا العِدَّة بتأمين الصفوف بخلَف يواصل بهم المسير.

ألم يكن غاندي الهندي صمَّام أمانٍ للملايين من اتباعه، وما إن ضُرِبَ حتَّى آل أمرهم إلى الشتات؟

أولم يكن بأس الألمان من بأس قائدهم أدولف هتلر، وبمجرد ما طرأ عليه الضعف حتَّى توالت عليهم النكسات؟

أمَّا عِزُّ مِصر فقد كان بالتفاف المصريين حول عزيزهم الذي أطاعوه فاتَّبعوا نبيَّ الله يوسُف (عليه السلام)..

هنا أمر مِفصَلي..

كلُّ تلك الأمم والحضارات انتهت إلى الزوال؛ بسبب أنَّ الطاعة والالتفاف الجماهيري كان لشخص واحد تسري منه القوة إليها، وكذا الضعف.. والانكسار.. والانهدام، وهذا ما حمى اللهُ تعالى أهلَ الحقِّ من نوائبه؛ بأن قرَّر لهم الالتفاف حول عنوان العلماء ومفهوم المرجعية الدينية ضرورةً وأصلًا، ولذا، يبقى الشيعة مدى الدهر في عزَّة وكرامة مهما عرضتِ الهزاتُ فتزلزل اسمٌ أو انهدم شخص. فالحمد لله ربِّ العالمين.

كانت البداية بفرض التمسك بالكتاب العزيز والعِترة الطاهرة، فبدى فشلُ أعداء الدين أوضح من الشمس وأبين من أمس؛ فكلما تعرَّضوا لإمام معصوم بالقتل، خلفه إمامٌ معصوم، حتَّى انتهى الأمر إلى الغيبة الكبرى لإمامنا وملاذنا (أرواحنا له الفداء)، فكان التمسكُ بِهِ غَائِبًا تَمَسُّكًا بالولاية المُقدَّسة التي لا يمكن لأحد المساس بها مهما تأبلس وتشيطن.

ثُمَّ أنَّ نفسَ أهل البيت (عليهم السلام) فرضوا على شيعتهم اتِّباع العلماء وحرَّموا عليهم الخروج عن مساراتهم العامَّة.

قال الإمام علي بن محمَّد الهادي (عليهما السلام):

“لولا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيبَةِ قَائِمِكُم (عليه السلام) مِنَ العُلَمَاءِ الدَاعِينَ إليه والدالين عليه والذَابِّينَ عن دينه بِحُجَجِ الله، والمنْقِذِينِ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اللهِ مِنْ شِبَاكِ إبليس ومَرَدَتِهِ، ومِنْ فِخَاخِ النَوَاصِبِ، لَمَا بَقِي أحَدٌ إلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللهِ، ولكَنَّهُم الذين يُمْسِكُونَ أزِمَّةَ قُلوبِ ضُعَفَاءِ الشِيعَةِ كَمَ يُمْسِكُ صَاحِبُ السَفينَةِ سُكَّانَهَا. أُولئِكَ هُمُ الأفْضَلُونَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ”[1].

وعنه (عليه السلام)، أنَّه قال:

“يأتِي عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا القَوَّامُونَ بِضُعَفَاءِ مُحِبِّينَا وأهلِ ولايَتِنا يَومَ القِيَامَةِ والأنْوَارُ تَسْطَعُ مِنْ تِيجَانِهِم. على رأسِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم تَاجُ بَهَاءٍ قَدْ انْبَثَّتْ تِلكَ الأنْوَارُ في عَرَصَاتِ القِيَامَةِ ودُورِهَا مَسِيرَة ثَلاثمائة ألف سَنَة، فَشُعَاع تِيجَانهم يَنْبَثُّ فيها كلها، فلا يبقى هُناكَ يَتيمٌ قَدْ كَفَلُوه ومِنْ ظُلْمَةِ الجَهلِ عَلَّمُوه ومِنْ حَيرَةِ التِيهِ أخْرَجُوه، إلَّا تَعَلَّقَ بِشُعْبَةٍ مِنْ أنوَارِهِم، فَرَفَعَتْهُم إلى العلو حَتَّى تُحَاذِي بهم فَوقَ الجِنَان، ثُمَّ ينزلهم على مَنَازِلهم المُعَدَّة في جوار أسْتَاديهم ومُعَلِّميهم وبِحَضْرَة أئِمَّتهم الذين كانوا إليهم يدعون، ولا يَبْقَى نَاصِبٌ مِنَ النَواصِبِ يُصيبُه مِنْ شُعَاعِ تِلكَ التِيجَانِ إلَّا عَميتْ عَينُهُ وأصَمَّتْ أذُنُه وأخرَسَ لِسَانُهُ، وتَحَوَّلَ عليه أشَدَّ مِنْ لَهَبِ النِيران، فَيحملهم حَتَّى يَدْفَعَهم إلى الزبانية فيدعونهم إلى سواء الجحيم”[2].

وقال رَسُولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ):

“المُتَّقُونَ سَادَةٌ، والفُقَهَاءُ قَادَةٌ، والجلوسُ إليهم عِبَادَةٌ”[3].

لستُ أقول تبرُّعًا ولا مصادرةً، بل هو حقٌّ لا تداخله شائبةُ شكٍّ على الإطلاق، فإنَّ الشيطان وجنوده عندما عجزوا عن اصطلام الشيعة، جنحوا في العقود الأخيرة إلى الضرب في المرجعيات الدينية بأشكال وأساليب متنوعة ومتجدِّدة، فتارة يشكِّكون في أصل التقليد ومسألة المرجعية، وأخرى يتنقلون مُسقطين من عالم إلى عالم، بالاستنقاص والإعابة والثلب، وما شابه، وثالثةً يثيرون الشبهات حول الفتاوى والآراء الفقهية، وهم بذلك لا يريدون تسقيط شخص العالم، بل يهدفون إلى إضعاف المرجعية الدينية العامَّة بإسقاط مظاهرها وتشخصاتها الخارجية.

وصل الحال ببعض المؤمنين إلى الخشية من اتهام بعض السفهاء لهم بتقديس العلماء وما يسمونه بالتبعية العمياء!

نحن نتَّبع العلماء بحسب ما أمرنا أهل البيت (عليهم السلام) وبما نقطع بكونه محلًّا لرضا الله جلَّ في علاه، وليقولوا تقديس، وليقولوا تبعية عمياء، وليقولوا ما يشاؤون، فإنَّ أمرَ آخرتنا لا يقرِّره هذا وذاك ممَّن سفهوا أنفسهم، بل هو مُقرَّرٌ في تعاليم أهل بيت العِصمة (عليهم السلام)، لا على نحو الاجتزاء والاقتطاع، بل على أساس قراءة واستيعاب كل ما جادوا به في هذا المقام، وهو ما أجمع عليه علماء وفقهاء وأكابر وأساطين الطائفة مطلقًا وبتأييد من يد اللطف الإلهي. فالحمد لله ربِّ العالمين.

إنَّنا في الواقع لا نخشى شيئًا على المقام العالي للمرجعية الدينية المُقدَّسة، فهي في حصن الله تعالى وتحت نظر مولانا صاحب الأمر (أرواحنا فداه)، وهو الذي قد شرَّف شيخَ مشايخنا المفيد (علا برهانه وطاب رمسه) بكتاب حمَّله إياه إلى الشيعة، فإي شرف وقُدس ومقام وشأن لعلمائنا عند مولانا صاحب الأمر (عجَّل اللهم له الفرج)؟!

قال (عليه السلام):

“أمَّا بَعْدُ: سَلَامٌ عليك أيُّها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنَّا نحمدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلَّا هو، ونَسْأله الصَلَاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمَّد وآلِهِ الطاهرين، ونُعلمك – أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنَّا بالصدق -: أنَّه قد أُذِنَ لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تُؤدِّيه عنَّا إلى موالينا قِبَلك، أعَزَّهم اللهُ بطاعته، وكَفَاهم المُهِمَّ برعايته لهم وحِراسَتِهِ، فَقِفْ أيَّدَكَ اللهُ بِعَونِهِ على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره، واعملْ في تَأدِيَتِهِ إلى مَنْ تَسْكُن إليه بِمَا نَرْسمُهُ إن شاءَ اللهُ.

نحن، وإنْ كُنَّا ثاوينَ بِمَكَانِنَا النائي عن مساكن الظالمين؛ حسب الذي أرَانَاه اللهُ تَعَالى لنَا من الصَلَاحِ ولِشِيعَتِنَا المؤمنين في ذلك ما دَامت دولةُ الدنيا للفاسقين، فإنَّا نُحيطُ عِلمًا بأنْبَائِكُم، ولا يَعْزُبُ عَنَّا شَيءٌ مِنْ أخْبَارِكُم، ومعرفتنا بالذُلِّ الذي أصَابَكم مُذْ جَنَحَ كَثيرٌ مِنْكُم إلى ما كان السلَفُ الصَالحُ عنه شَاسِعًا، ونَبَذُوا العَهْدَ المأخوذَ ورَاء ظُهورِهِم كَأنَّهم لا يعلمون!

إنَّا غير مُهملين لمُرَاعَاتِكُم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لَنَزَلَ بِكُم اللأواء، ولاصطلمكم الأعدَاءُ فاتَّقُوا اللهَ جَلَّ جَلالُهُ وظَاهِرُونا على انْتِياشِكُم مِنْ فِتْنَةٍ قَدْ أنَافَتْ عَليكم، يهلكُ فيها من حَمَّ أجَلُهُ ويحمى عنها من أدْرَكَ أمَلَهُ …”[4].

إنَّنا، بلا شكٍّ، في حماية الله تعالى وعناية مولانا صاحب الأمر (أرواحنا فداه)، إلَّا أنَّ المُحزِنَ تناول بعض المؤمنين لعلماء بالطعن والاستنقاص تحت ذريعة الدفاع عن دين الله تعالى بعد أن ظهرت منهم انحرافات أو ما شابه ممَّا يستثير الغِيَرَ على الدين!

نعم، قد لا يصح السكوت على ما يضرُّ بعقائد الناس وإيمانهم، إلَّا أنَّ الدفاع عن الدين وإظهار الحق ورد الأخطاء ممكن جدًّا دون التعرُّض للأسماء، وهذا ما تميَّز به بعض الأكابر بتركيزهم على مناقشة المسائل على أسس علمية رصينة من غير أدنى تعرُّضٍ للشخوص، فخلَّفوا نتاجات على مستويات عالية من الموضوعية.

لا يخفى ما في التعريض بالأشخاص من استعداء صريح لقطاعات وشرائح واسعة من المؤمنين المُتَّبعين أو المحسوبين أو المتعاطفين مع تلك الأشخاص، والحال أنَّ القصد هو معالجة الخلل، لا الضرب في الوجود النفسي، بل وقد يرجح السكوت في كثير من الأحيان، خصوصًا وأنَّ الإمام (عليه السلام) غير ناس لذكرنا ولا مهمل لمراعاتنا، فلنتأمل هذه الحقيقة جيِّدًا.

لا أدري إن كان بعض المتحاملين في مواقفهم ضد بعض العلماء أو المرجعيات الدينية غافلين عن أنَّ ما يقومون به يُعرِّضهم ومن يتَّبعون من علماء ومرجعيات إلى حملات مضادَّة، وهذا هو الحاصل فعلًا، والنتيجة ليست في غير إنزال أكبر الضرر بالعنوان العام للمرجعية الدينية في قلوب الناس وعمقهم الثقافي!! كلُّ ذلك لأنَّ أشخاصًا قرَّروا فمضوا، دون اكتراثٍ بطوفان يهيجونه!

يقول الله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)[5]، وقال تبارك ذكره (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[6]. وقد جاء رجل إلى النبي (صلَّى اللهُ عليه وآله)، فقال:

“يا رسول الله، أوصني..

فقال (صلَّى الله عليه وآله): احفظْ لِسَانَكَ.

قال: يا رسول الله، أوصني..

قال (صلَّى الله عليه وآله): احفظ لِسَانَكَ.

قال: يا رسول الله، أوصني..

قال (صلَّى الله عليه وآله): احفظ لِسَانَكَ؛ ويحَكَ، وهل يُكَبُّ النَاسُ عَلى مَنَاخِرِهِم في النَارِ إلَّا حَصَائِد ألسِنَتِهِم؟”[7].

إنَّما الخِشيةُ من أن تكون مناشئ تسقيط الشخصيات نواقصَ نفسية يعيشها البعض، ولضعفهم عن المناقشة العلمية الهادئة، ولضعف إيمانهم بلطف الله تعالى وعناية صاحب الأمر (عجَّل اللهم له الفرج) فإنَّهم يجنحون للضرب في الأسماء ولا يهمهم ما يكون نتائج لأفعالهم، بل يكونون على أعلى درجات الاستعداد للتبرير!

في حديث عظيم مُزلزل، ترجف منه القلوب مضطربةً خائفةً وجِلَةً، يقول الإمام الصادق (عليه السلام):

“مَنْ رَوَى عَلَى مُؤمِنٍ روايَةً يُريدُ بِها شَيْنَهُ وهَدْمَ مُرُوءتِهِ ليَسْقُطَ مِنْ أعيُنِ النَاسِ، أخْرَجَهُ اللهُ مِنْ ولايَتِهِ إلى ولايَةِ الشَيطَانِ، فلا يَقْبَلُهُ الشَيَطَانُ!”[8].

هل لاحظتم؟ يقول الإمام (عليه السلام): ” فلا يَقْبَلُهُ الشَيَطَانُ!” وهل من طامَّة وكارِثةً أعظم من ذلك؟!

كيف إذا كان الشخص المُتعرَّضُ إلى إسقاطه من أعين الناس عالمًا؟

يقولون: ولكنَّه ليس بعالِم!

فأقول: فأذنْ بحربٍ ممَّن لا يرون من ترجع إليه عالِمًا!

ولنبقى في دوامة التشخيصات الموضوعية الشخصية، مبتعدين عن الاحتياط الذي أُمِرْنَا به في زمن الغيبة..

قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لكميل بن زياد فيما قال: “يا كُمَيلُ، أخوكَ دِينُك، فاحتطْ لدِينك بِمَا شِئْتَ”[9].

والغريب من بعض المؤمنين أنَّهم إذا اتخذوا موقفًا سلبيًا من أحد العلماء وكان سيِّدًا هاشميًا فإنَّهم يسلبونه لقب السيادة عند ذكره، فلو كان اسمه كاظم، مثلًا، قالوا كاظمًا دون التقديم بلقب: السيد، كما هو معتاد، وهذا لو سلِم اسمه من التنقيص كما في (كاظمو) بدل: كاظم!!

والله عيب.. ألا يستحي هؤلاء؟ ألا يخجلون من أنفسهم؟!

نعم، قد يُعرِّض القرآن الكريم أو أحد الأئمة (عليهم السلام) بشخص معين، إلَّا أنَّ هذا ليس من موارد التأسي كما يتوهم البعض، فإنَّ تعريض الإمام (عليه السلام) راجِعٌ إلى نسبة المطابقة التامَّة بين الحكم والموضع بعد صحَّة التشخيص يقينًا، وليس الأمر كذلك مع غيره، ولذا وجب الاحتياط شرعًا وعقلًا وأدبًا.

عن علي بن يقطين، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): “مُرْ أصحَابَكَ أنْ يَكفُّوا مِنْ ألسِنَتِهم ويَدَعُوا الخصُومَةَ في الدين، ويجتهدوا في عبادة الله عزَّ وجلَّ”[10].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “إيَّاكم والخصومة؛ فإنَّها تُشغِلُ القَلبَ وتُورِثُ النِفَاقَ وتُكسِبُ الضَغَائِنَ”[11].

وقال رسولُ الله (صلَّى اللهُ عليه وآله): “ما أتاني جبرئيلُ (عليه السلام) قَطُّ إلَّا وَعَظَني، فَآخِرُ قوله لي: إيَّاكَ ومشارة الناس؛ فإنَّها تكشف العورةَ وتذهبُ بالعِزِّ”[12].

وقد رأينا وجوهًا ذهب نورها فأظلمت؛ لِمَا ارتكبتْ مِنْ خَوضٍ في المؤمنين، وخصوصًا العلماء منهم!

في ختام هذه السطور المتواضعة، فإنَّه قد يحسن التأكيد على أهمية المناقشات العلمية الرصينة مع النأي بها عن التعابير والألفاظ الخشنة والمستفزَّة، فإنَّ المؤمنين (رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)[13].

وعلى كلٍّ، فالتفرُّغ لهذه الوظيفة المقدَّسة التي يفصح عنه الإمامُ (عليه السلام) في الحديث التالي أولى وأجدر..

عن معاوية بن عمَّار، قال: “قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ رَاويَةٌ لحديثكم، يَبُثُّ ذلك في الناس ويُشَدِّدُهُ في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولَعَلَّ عابِدًا مِن شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيُّهما أفضل؟

قال (عليه السلام): الرَوايَةُ لحديثنا يَشُدُّ بِهِ قُلوبَ شِيعَتِنَا أفضل مِنْ ألف عَابِدٍ”[14].

اللهم “واسْدُدْ أسْمَاعَنَا عنِ اللغو والغِيبَةِ، وتفضَّل على عُلمائِنَا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة”[15].

 

السيد محمَّد بن السيد علي العلوي

5 من ذي القَعدة 1440 للهجرة

البحرين المحروسة

……………………………..

[1] – الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – ص 9 – 10

[2] – الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – ص 10

[3] – بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 1 – ص 201

[4] – الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 2 – ص 322 – 323

[5] – الآية 24 من سورة الصافَّات

[6] – الآية 18 من سورة ق

[7] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 115

[8] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 358

[9] – الأمالي – الشيخ المفيد – ص 283

[10] – التوحيد – الشيخ الصدوق – ص 460

[11] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 301

[12] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 302

[13] – الآية 29 من سورة الفتح

[14] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 33

[15] – المصباح – الكفعمي – ص 280 – 281

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.