تُتداول بين الفترة والأخرى أخبار يكاد مجتمعنا أن لا يفهم شيئًا منها؛ لما هي عليه من غرابةٍ شديدةٍ، إلى درجة يصل فيها الناس إلى إنكارها وحملها على المبالغة والتهويل!
رجلٌ زنا بذات بعلٍ، وبعد طلاقها أراد الزواج منها، وهو اليوم يبحث عن مخرج يجنِّبه قول الشرع بالحرمة المُؤبَّدة، فيسأل عن فقيه يرى جواز زواج الرجل من امرأة قد زنا بها وهي ذات بعل، إن كان يتمكن من العدول إليه مطلقًا، أو في خصوص هذه المسألة إن كان مرجع تقليده محتاطًا فيها!
يسأل آخرُ عن حكم الزواج من امرأة قد ارتكب مع أخيها فاحشة اللواط!
وبين هذا وذاك تدور الأحاديث عن قضايا الطلاق في المحاكم الجعفرية وما تعانيه النساء من ظلم وتعنيف، وعدم إنصاف!
يتحمَّلُ العلماء وطلبة العلوم الإسلامية مسؤولياتهم في توجيه الناس إلى آراء وفتاوى الفقهاء المراجع في مثل هذه المسائل المُعقَّدة، وهم في هذه المهمَّة صادقون مخلصون، يعيشون الهمَّ بقلوب تحترق ألمًا على واقِع غريب جدًّا عن مجتمعاتنا المُحافظة المؤدَّبة الأصيلة، فجزاهم الله خير الجزاء..
أجابوا.. ويجيبون.. وسيبقون عن واجبهم الشرعي في بيان الأحكام والفتاوى الشرعية دون تكاسل ولا تهاون، إلَّا أنَّ ذلك لا يُنتجُ حلولًا للمشاكل القائمة، بل ما أوجبها لا يزال في توالد وتكاثر وازدياد واشتداد، ما يُخاف معه من تراجع الناس وبرودهم عن سؤال عالم الدين؛ إذ أنَّ الظاهرَ من التوجه الثقافي العام الاستعداد والتهيُؤ للتطبيع مع الفساد إلى أن يستحيل أمرًا مقبولًا، ولو بمستوى من المستويات، تحت عناوين الحريات الشخصية!
يبحثُ المؤمنون عن الصلاح والإصلاح، ومن أبرز أمارات ذلك حضورهم الجماهيري الكبير في مناسبات إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، وكذا في مساجد الجُمُعات وفي مجالس العلماء، ومختلف التجمعات الإسلامية.
لم يخلُ المؤمنون يومًا من نور الخير والصلاح، فهم من جهة القابل يمتلكون استعدادات حقيقية لفواعل النور وتزكية النفوس، وهذا ما ظهر بوضوح في الكثير من المواقع التاريخية منذ فجر الإسلام وحتَّى يومنا الحاضر عندما تصدَّى النبيُّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) على هدي من قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)، وصولًا إلى حاضرنا الذي شهدنا فيه خروج جماهير المؤمنين عن بكرة أبيهم؛ تلبية لدعوة العالِم.
أقول جازمًا.. المؤمنون بخير، وهم في حالة انتظار دائِمة لأيدي العلماء وطلبة العلوم الإسلامية لتسلك بهم سُبُل الصلاح نحو رضى الله جلَّ في علاه، كيف لا، وقد خُلِقوا في فاضل طينة النور؛ قال الإمامان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام): “إنَّ الله خلق محمَّدًا من طينةٍ من جوهرةٍ تحت العرش، وإنَّه كان لطينةٍ نَضْح،ٌ فَجَبَلَ طينةَ أمير المؤمنين (عليه السلام) من نَضْحِ طينةِ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وكان لطينةِ أمير المؤمنين (عليه السلام) نَضْحٌ، فَجَبَلَ طينتَنَا من فَضْلِ طِينَةِ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت لطينتِنا نَضْحٌ، فَجَبَلَ طينةَ شِيعتِنَا من نَضْحِ طينتنا، فقلوبُهم تَحنُّ إلينا، وقلوبُنا تعطفُ عليهم تَعَطُّفُ الوالدِ على الولد، ونحن خيرٌ لهم، وهم خيرٌ لنا، ورسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لنا خيرٌ، ونحن له خيرٌ”.
وهل يخفى حنين قلوبنا لسادتنا من آل بيت محمَّد المصطفى (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)؟ وهل عميت عيوننا عن صيِّب عطفهم علينا بين كلِّ طرفة عين وأخرى؟
إنَّ للظواهر السيئة المخجِلة أسبابًا ينبغي الوقوف عليها وتحليلها على أسس علمية وازنة، وإلَّا فمجرد إلقاء الحكم الشرعي لن يعالِج إلَّا شيئًا من النتيجة الجزئية، وهذا لا يتوقف، في الواقع، على وجود عالِم الدين بين الناس؛ إذ أنَّ الرجوع إلى مكاتب الفقهاء المراجع متيسر عبر مختلف وسائل الاتِّصال.
نحتاج اليوم إلى لقاءات علمية على مستوى العلماء وطلبة العلم لمناقشة كلِّ ما يقف سببًا خلف مظاهر التردِّي الأخلاقي في المجتمع، وجمع مفردات المقتضيات والجزئيات المُؤثِّرة في وجود المُشكلة، والرجوع إلى المختصين في بعض العلوم الإنسانية مثل النفس والاجتماع وما شابه؛ للخروج بدراسات صحيحة متكاملة.
فعلى نحو الإجمال، نحتاج اليوم إلى:
- لقاءات على مستوى العلماء وطلبة العلم؛ لمناقشة المشاكل التربوية والاجتماعية الجادَّة.
- تحديد الأسباب بشكل موضوعي دقيق.
- التنظير المُعمَّق للحلول المُمكِنة.
- التنظير الموسَّع لخيارات العمل الثقافي والتوعوي على أسس علمية صحيحة.
- التنظير لآليات المتابعة.
لا يشكُّ المؤمنون قيد أنملة، في أهلية علمائنا وطلبة العلم للتصدِّي وحمل مسؤولية الإصلاح في مجتمعات تنضح صدورهم فيها الحبَّ والاشتياقَ للخير والصلاح..
علماؤنا.. طلبة العلم.. الفضلاء..
أنتم ورثة الأنبياء، ومسيركم التاريخي لم يحد عن طريق (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ).
السيد محمَّد بن السيد علي العلوي
2 جمادى الأولى 1440 للهجرة
البحرين المحروسة