كُسِرتْ الفاتِحَةُ..

بواسطة Admin
0 تعليق

“طاح العلم.. طاح العلم..”

صوتٌ حزينٌ مكسورٌ، سمعتُه من الخلف، فالتفتُّ وإذا به شيبة، إنْ لم يكن في الثمانين فهو مشرفٌ عليها (أطال الله عمره في خير وعافية).. كان ذلك في يوم تشييع فقيد العلم والتقوى والورع، سماحة العلَّامة الشيخ عبد الحسين الستري (طاب رمسُه)..

كان في حالة من الذهول، لا يدري بما حوله.. عينه على الجنازة، وكلمة “طاح العلم” تخرج من عُمقِ قلبِهِ وقد بدت الدنيا عنده منهدمةً من بين يدي نعش الفقيد (رضوان الله تعالى عليه).

سماحة الشيخ عبد الحسين الستري.. ماذا أعطيتَ هذا الرجل الطاعن في السن فأخرجته من بيته هائِمًا على وجهِهِ مذهولًا وهو ينادي “طاح العلم”؟ وماذا يقصد يا تُرى بهذه الكلمة التي أشغلت قلبي فلم يهدأ مضطَرِبًا بأسئلةٍ وتأمُّلات؟!

سألتُ أحد الإخوة من قرية مهزَّة عن كلمة “طاح العلم”، فقال: أرجو أن لا يكون العمود؛ فالشيخ عبد الحسين الستري (علا برهانه) كان مُمسِكًا بزمام الكثير من القضايا التي تكفل الاستقرار المجتمعي والثقافي في سِترة، لا بِفَرضِ سَيطَرَةٍ ولا بِرِجَالٍ يعمَلُونَ له.. لا، بل لم يكن الأمرُ مقصودًا على الإطلاق..

لم يُمسِك الشيخُ (رحمه الله) بسِترة، بل كانت أخلاقُهُ سَفَّانَها..

استراحتْ سِترَةُ على تقوى الشيخ الستري، على ورعه.. استراحتْ على علمه وعمق فقاهته التي ظهرت في فهمه العزيز لهيئات الحوادث قبل موادِّها، ولذلك، لم نسمع يومًا عنه خطابَ فِتنةٍ أو إثارةٍ أو اصطفافٍ أو ما شابه، بل لم نسمع بأحدٍ وجَّه له نقدًا، هذا وبالرغم من أنَّه كان في قِمَّة الفاعلية والتواجد في مختلف مفاصل الأحداث ومنعطفاتها..

إنَّها الحِكمَة وقد قامت على ورعٍ وتقوى، فكان (رفع الله درجاته) تجسيدًا حيًّا لقول الإمام الصادق (عليه السلام): “المؤمِنُ صَبُورٌ في الشدائِدِ، وقُورٌ في الزَلازِلِ، قَنُوعٌ بما أُوتِي، لا تعظُمُ عليه المصَائِبُ، ولا يَحِيفُ على مُبْغِضٍ، ولا يَأثَمُ في مُحِبٍّ. الناسُ مِنْهُ في رَاحَةٍ، والنَفْسُ مِنْهُ في شِدَّةٍ”.

رَحَلَ سَمَاحَةُ العلَّامة الشيخ عبد الحسين الستري (رضوان الله تعالى عليه)، ولكنَّ أرضًا أنجبته لا تزال في عنفوان خصوبتها لن تهرم..

تقدَّم في يوم التشييع أعلامٌ من أبناء هذه الأرض الطيبة، لو أنَّ حُضَّارَ دروسهم وبحوثهم يقرِّرون لهم، لاشرأبت تطلعاتُ العلمِ إليها طالبةً لمدادها مُفِيدةً متعلِّمةً.

هي أرضٌ تتنفس عبق ابن ميثم والتوبلي والماحوزي والسماهيجي والعلمين من آل عصفور، وغيرهم من أساطين العلم وأوتاد المعرفة.. لا يزالون بيننا.. هم اليوم بيننا في أسماءٍ نأملُ منها ما يأمله بقيةُ اللهِ الأعظم (أرواحنا فداه) من علماء وفقهاء أهل البيت (عليهم السلام).. ولسنا ببعيد..

لسنا ببعيدٍ، إن شاء الله تعالى، عن أيَّامٍ سوف يعلو فيها بيرَقُ الرِيَادة العِلمية من أرضنا السمِحَة الطيبة، يُقيمُ أعمدته علماءُ اليوم وتلامذتهم، فنكون على خطِّ الوفاء لأعلامنا الماضين، وآخرهم سماحة العلَّامة الستري (طاب رمسه).

فليكن كسارُ فاتحته.. وليكن تأبينه.. ولتكن ذكراه.. فليكن سماحة الفقيد الستري (رضوان الله تعالى عليه) فينا باعِثَ نورٍ نحو بناءٍ عِلمي أصله التقوى، وقوامه الورع.. وروحه المحبَّة الوِئام..

وكلِمةٌ أخيرة..

كان سماحةُ الشيخ الستري (رحمه الله) مركزًا في وسط الدائرة، فكان على مسافة واحدة من الجميع، فأحبَّه الجميع، وذاك لأنَّ كلَّ خلاف أو سوء ظنٍّ أو ما شابه من محزنات بين الشيعة، إنَّما تتحطَّم مهزومةً على شاطئ الولاية لمحمَّد وآله الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)..

هكذا كان.. وهكذا أهل البحرين.. نباتُ خيرٍ من أرضٍ طيبة..

 

السيد محمَّد بن السيد علي العلوي

يوم كسار فاتحة العلَّامة الشيخ عبد الحسين السِتري (طاب رمسُه)

8 صفر 1440 للهجرة

البحرين المحروسة

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.