قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصيته لكميل بن زياد: “ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة”.
إنها الثقافة، ولا شيء غيرها نحتاج إليه حينما ننظر ونحلل ونقرر ونتحرك؛ فهي الحاكية إلى ما نحمله من ثوابت وقناعات وأفكار، ولذلك يعرف عن كل من يتحرك بلا اتزان وحكمة أن ثقافته منحرفة أو لا أقل متدنية.
إننا كشيعة موالين لأهل البيت (عليهم السلام) نكتسب معارفنا ونرسم طريقنا من منهلين أصيلين هما: القرآن المجيد، والعترة الطاهرة؛ إذ أن المتمسك بهما لن يضل أبدًا، وفي هذا الوقت ونحن نستقبل أيام الحسين (عليه السلام) نتوقف توقف المتدبر المتأمل في هذه النهضة العظيمة التي دون حروفها التاريخ على صفحة الإنسانية ناصعة بدماء الشهداء وتضحيات الأبطال من أصحاب الحسين (عليه السلام) رجالًا ونساءًا وشبانًا وأطفالًا..
لماذا خرج الحسين (عليه السلام)؟ إلى أي هدف كان يرمي؟
ماذا نريد من إحيائنا عاشوراء في كل عام؟ ما هي الغاية؟
هناك ربط مبدأي في قضية كربلاء لا ينبغي لنا إغفاله أبدًا، فلندقق جيدًا..
عند خروج الإمام الحسين (عليه السلام) قال مصرحًا: “وأني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين”.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القائم من آل محمد (أرواحنا فداه) : “وهو رجل مني، اسمه كاسمي، يحفظني الله فيه، ويعمل سنتي. يملأ الأرض قسطًا وعدلًا ونورًا، بعدما تمتلي ظلمًا وجورًا وسوءًا”.
فالنهضة الحسينية إذن نهضة شامخة على طريق الوصول لدولة الإصلاح الشامل والتغيير العالمي الجذري، وهي دولة الإمام المهدي (أرواحنا فداه)، وهذا ما نفهمه من إرادة الإمام الحسين (عليه السلام) التي تقف خلف خروجه لكربلاء، ومما بينه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من معالم الدولة المهدوية، لذا فطلب الإصلاح والتضحية من أجله وتحمل الهضم والاستضعاف على طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة ينبغي لنا تفعيلها في كل مفاصل حياتنا الجهادية، وكل الحياة جهاد إذا ما حولناها إلى حالة عبادية نرتجي من ورائها رضا الله سبحانه وتعالى وعناية مولانا صاحب الأمر (عجل اللهم فرجه الشريف).
عندما نعمل في مهنة أو وظيفة، فمن أجل تقوية اقتصادنا تمهيدًا للدولة المهدوية، وعندما ندرس ونتعلم فلنكتسب المعارف والعلوم والثقافات تمهيدًا لدولة الحق المهدوية، وعندما نتزوج فلاستقرار المجتمع وتكثير المؤمنين تمهيدًا لدولة الحق المهدوية، وعندما نعمل في السياسة وتعاطياتها فتمهيدًا لدولة الحق المهدوية، وهكذا هي حياتنا من المفترض أن تكون حتى ندخل في دائرة الذين يحيون كربلاء الحسين (عليه السلام) إحياءًا عمليًا يكون أولًا وأخيرًا محلًا لعناية الله ورعاية الإمام المؤمل (أرواحنا فداه).
لقد ضحى أبو عبد الله (عليه السلام) بالنفس والولد والمال من أجل زرع هذه الثقافة فينا، ونحن بدورنا نفتخر بكوننا عاملين على هذا الطريق المهدوي الشريف، ولا نسأل الله عز وجل إلا الرضا والتوفيق وقبول العمل وجعله خالصًا لوجهه الكريم.
السيد محمد علي العلوي
محرم الحرام 1433هـ
23 نوفمبر 2011