شهدنا في بلدنا البحرين خلال الأسابيع الماضية حملات تدعو للتكاتف الاجتماعي للوقوف إلى جانب مريض في تكاليف العلاج، وبالفعل، تَمَّ في ظرف أيام جمع مبالغ كبيرة قارب بعضها الخمسين ألف دينار، وهذا يدل بوضوح على حجم التقارب بين أبناء هذه الأرض الطيبة ومدى حبِّهم للخير وإحساسهم بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض، فالحمد لله ربِّ العالمين..
إنَّه وبالرغم من جمال هذه المظاهر الرفيعة، إلَّا أنَّ حالة من التخوف راودتني وغيري، موضوعها تعريض هذا التسامي الاجتماعي إلى انتكاسة بسبب تعاقب الحملات على نحو التوالي المتقارب والسريع؛ فقد يكون من شأن ذلك إصابة الناس بالفتور تجاه مثل هذه القضايا المهمَّة!
من جهة أخرى فإنَّ خطورة التقنين لا تقل عن خطورة تركه؛ فمسألة الإلزام بقانون أو ما شابه في القضايا الاجتماعية الإنسانية أمر غير محبَّذ على الإطلاق، بل قد يكون لها انعكاس سيء على نفس روحية التكاتف بين أبناء المجتمع! وهذا أمر مقلق؛ إذ أنَّ الصدور تنشرح، والخواطر تطيب لمثل هذه المظاهر الاجتماعية الرائعة، ويأسف القلبُ لتراجعها -لا سمح الله-.
من هنا، خطرت بالبال فكرةٌ حاولت فيها التوفيق قدر الإمكان، وهي على النحو التالي:
- منشأ الفكرة:
للتلاحم الاجتماعي، وتبادل الشعور بالمسؤولية بين أبناء المجتمع، دور كبير في حفظ الاستقرار وإشاعة المودَّة والهدوء، وهذا مسعى خير بلا أدنى شك، من آلياته مظاهر التكافل المعيشي والمالي.
- مَحَالُّ ظهور التراحم:
ضيق المعيشة.. تكاليف العلاج في بعض الأمراض الخطيرة.. الغُرم.. تكاليف الزواج.. وما شابه..
- جوهر الفكرة:
مساهمة أبناء هذه الأرض الطيبة ومن يعيش من خيرها في رفع حاجات بعضهم البعض باليسير المتراكم.
- الفكرة:
المساهمة من كلِّ فرد بمبلغ (خمسمئة فلس شهريًا)، من يتمكن عن نفسه، وإلَّا فربُّ الأسرة أو المقتدر منها يتكفل بسهم غيره، ولو افترضنا أسرة من عشرة أشخاص ومعيل واحد فقط، فهو سوف يساهم شهريًا بمبلغ (خمسة دنانير) عنه وعن أسرته.
- الآلية:
لضبط العملية، فالمقترح هو تشكيل لجنة رسمية مكونة من الصناديق الخيرية من كافَّة مناطق البحرين، ويكون الخيار الأول هو الاقتطاع المصرفي المباشر، وإلَّا فالاستلام النقدي المباشر بحسب ما يرونه مناسبًا.
- لا شكَّ في حاجة الفكرة لمناقشات وعمل صادق لبلورتها وإنضاجها للتطبيق بالشكل الصحيح.
وليكن من المعاني الحاضرة في الأذهان معنى إحساس الفرد بدوره المهم في بناء الروح المجتمعية المتراحمة، وهذا من الأمور الضرورية غاية الضرورة على طريق طلب المحبَّة والمودَّة بين الناس.
كما وأنَّ كلَّ واحدٍ منَّا يتمكن -غالبًا- من المساهمة (بنصف دينار) شهريًا، ولو بالتقليل من أي مصرف ثانوي آخر، ولا ننسى أنَّ الكثير قد يساهمون بأكثر من هذا المبلغ الزهيد بالنسبة للفرد، وبالرغم من زهادته، إلَّا أنَّه بالتراكم يكون كثيرًا..
وأضف إلى هذا وذاك غنى المقام في حينها عن ذكر اسم المحتاج ونشر حالته وصورته وما إلى ذلك ممَّا قد يُعرِّضه لشيءٍ من الحرج، وهذا فضلًا عن التوسع في مجالات التكاتف من الانحصار في دائرة العلاجات الطبية إلى دوائر أخرى تستدعيه.
أسأل الله تعالى لكافة المؤمنين والمؤمنات راحة البال وطيب النفس والسكينة، بحقِّ وشرف الزهراء البتول (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).
السيد محمَّد علي العلوي
11 من شهر رمضان 1439 هجرية