قال تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)[طه/٧٧-٧٨].
أوحى الله تعالى لنبيّه موسى عليه السلام كي يسلُك ببني إسرائيل البحر، وفَرَقَ لهم البحر ليمروا منه، وطمأنه ألا يخاف ولا يخشى أن يدركّه عدوّه، فأَتبعهم فرعونُ وجنوده وغّشِيَهم من اليمّ ما غشيهم وغرقوا فيه، أي أنّ الله تعالى نجَّى موسى عليه السلام ومن معه بالمعجزة، مما يترك أثرهُ في النفوس قويًا، فها هو ربّ الأرباب قد نصركم على عدوكم يا بني إسرائيل.
ثم ما لبث موسى أنْ غادرَ قومه لفترةٍ من الزمن، ولكنه عندما عاد وجدهم يعبدون العجل حيث أضلّهم السامري، حتّى مع وجود أخيه هارون عليه السلام معهم، فبعد هذه المعجزة العظيمة، وبعد ما رأوه من انتصار موسى على السحرة بمعجزةٍ عظيمةٍ بيّنةٍ أخرى، كيف ضلَّ هؤلاء؟!
انظر معي كيف هو حال ابن آدم، وكيف يتقلّب بين الحق والباطل بهذه السرعة، بل وما أسرعه إلى الباطل حتى مع هذه البينات العظيمةِ الحاسمة، وبخدعةٍ من عالم مهما علا شأنه يعلمون تفوقَّ نبيّ الله موسى عليه السلام عليه، إضافةً للمعجزات التي أظهرها وبرهنَ بها على نبوته وفضله!
في الواقع -مع ما عرفنا من حال هؤلاء- كم يحتاج الإنسان لأن يطلبَ الهداية من ربّه، وكم يحتاج أن يرجوّه كي يساعده على نفسه، وأن يثبّته على الجادة وعلى الطريق المستقيم، فإن أي غفلة لن يدعها الشيطان تمر، وسيستثمر هذه الفرصة ليضل الإنسان، أوليس هو من توعد بأنْ يقعدنَّ للبشر على الصراط المستقيم؟ أي أنه لا يتركك حتى لو كنت على الصراط، بل قد يشتدُّ عمله ويتضاعف، فمن يكون على الصراط المستقيم عادةً ما يكون أقوى من غيره، فيحتاج الشيطان ليكون شديدًا معه ليُضلّه.
هذا العصيان والشرك من بني إسرائيل يجعل المؤمن يتفكّر ويحذر، ويراقب نفسه ويحاسبها، لذلك أَمَرنا أهلُ البيت عليهم السلام بمحاسبةِ أنفسنا كلّ يوم، فإن تقلّبها وتأثّرها لَشديد السرعة. من هنا أقول أيضًا على الإنسان الحذر من الدخول في بعض الأمور الخادعة، والابتعاد عن كل ما يقربه من الحرام، حتى لو كان فعلا مكروهًا في الشريعة، أو حتى مباحًا لا يحتاجه ويُخافُ عليه منه أن يتعداه كل ما استطاع سبيلا.
قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)[طه/٨٥]، هذه فتنةٌ (اختبار) من الله تعالى لمن شاهد المعجزات بعينيه وعاشها بكلّ أحاسيسه، ورسول الله يعيش معه، مع ذلك سقطوا فيها، ونحن أيضًا لسنا في مأمنٍ من السقوط في أي اختبار، خصوصًا وأن حجةَ الله في أرضه غائبٌ عنّا، ووجوده المبارك خافٍ علينا، فكيف يا ترى نتمكّن من النجاح عند الافتتان، وكيف نتجاوز هذه الاختبارات الصعبة، أوليست عقيدتنا بالإمام عليه السلام ووجوده من أشد الاختبارات وأقواها؟!
الاختبارات يعيشها كلّ فردٍ في كلّ يوم، بل في كلّ فعلٍ وفي كلّ لحظةٍ من حياته، لذا يلزم على كلّ مؤمنٍ أن يحتاط لدينه، وأن يراقب نفسه ويحاسبها كما قلنا، وأن يتقرّب من ربه، والطريق مع صعوبته وطوله ومشقته، إلا أنه واضحٌ لمن التزم بالثقلين المقدسين، وسيكون من الناجين ما إن تمسّك بهما معًا.
أُذكّرُكم وأُذكِّرُ نفسي بتقوى الله، والتزود بالصّالحات من الأعمال، والتقرب لله بحمده وشكره وذكره وعبادته، والتوسّل بأوليائه الصالحين، فإننا لا نعوّل على أعمالنا بل نعوّل على لطفه ورحمته ورأفته، وعلى شفاعةِ من ارتضى.
أمّا أمثال السامري فلا بدّ أن يبطلَ عمله في الدنيا والآخرة، ولا بدّ أن ينكشفَ زيفه، ويُتمَّ أيامه في هذه الدنيا ثم يرحل منها مقهورًا، ثم يلقى الله تعالى وينال جزاءه. قال تعالى: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)[طه/٩٧].
محمود سهلان
١٥ شوال ١٤٣٨هـ
٩ يوليو ٢٠١٧م