محوريّة التعقُل في الترقي العبادي ll سماحة الشيخ محمَّد الصائغ

بواسطة Admin
0 تعليق

 

الطموح الذي يحمله العقلاء في شق طريق الحياة هو بلوغ أقصى درجات التكامل بشتّى صنوفه ومستوياته، هذا ما يحكيهِ العقل النوعي مشيرًا إلى حقيقة الإنسان من أنَّك لستَ على هذا الحد وفقط، إن العالم انطوى في وجودك كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) في بيتٍ شعري: (أتحسبُ أنَّك جُرمٌ صغير   وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ)

فالثبات على حدٍ من دون حركةٍ صعوديةٍ نحو الترقي في مدارج الكمال مَعيبٌ عند العقلاء، بل الإنسانيَّة ترفضها.

العُبّاد ليسوا بالقليلين، الصلاة والصيام وغيرها من الفرائض تُقام وبأعدادٍ كبيرة، ولكن ما مدى مؤثريّة تلك الفرائض على مستوى سلوك المؤمنين فردًا ومجتمعًا؟

قياس المَدَيات بحاجةٍ إلى معايير وأسس إلَّا أنَّنا لا نطلب الدقّةَ هنا؛ لأن الظاهر -ربما- يكون كافيًا في إصابة النتيجة وهي: أن التأثير قليلٌ جدًا على المستوى السلوكي المجتمعي، ولعلّه على المستوى الفردي والعلاقتي مع الله تعالى يكون جيِّدًا ولكن ليس كما يطمح له العاقل.

نجد سوء الخُلق والخيانات والأنانية والبغضاء و.. الخ، عناوين ملؤها الشيطنة غزت وتغزو وتتغلغل في أوساطنا آخذةً بالتمكُّن بمعنى أنَّها ستكون حالةً طبيعيَّة لا نفور ولا اشمئزاز منها كالغيبة التي حظيت بأبشعِ تصويرٍ قرآني في ميدان توصيف المعاصي، أين العبادة وكثرتُها؟ 

الكثرةُ مطلوبةٌ، ولَهْجُ اللِّسان بذكر الله تعالى مهم، والعبادة لها تأثيرها ولكن بحسبها كمنظومة عبادية؛ بمعنى أَنَّ الممارسات العباديّة وفهم صاحبها لحكمتها وسعةُ تعقلهِ لها تتشكَّل المنظومةُ بحسب تلك العناصر

الْمُرَاد تشكيل منظومة عباديّة على مستوى عالي من الفهم والتعقُل لتحقيق التغيير الواقعي من جهةِ الإحساس بفظاعة المعصية كما يصورها القرآن وتصورها الروايات، الدفع في اتجاه الإكثار في العبادة أمرٌ حسنٌ بل ومطلوب، وبنفس قوة الدفع تلك ندفع في اتِّجاه توسعةِ المدارك في ظرف العبادة؛ لأنها تحمل الرصيد التغييري على مستوى الفرد والمجتمع، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) في كتاب العقل والجهل من الكافي الشريف الحديث الثامن: “إنَّ الثواب على قدر العقل”.

الإنسان لديه الاستعداد للفهم، وهو قادرٌ على اجتياز وتخطي مراحل التعقُل، الجلوس لفترة ولو قصيرة لإعمال العقل في مسائل العبادة كفيلةٌ في خلق قفزةٍ نحو الطموح الذي يطلبه العقلاء.

 

محمَّد مسلم الصائغ 

6 من شهر رمضان 1438 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.