كنتُ أُفكِّرُ في بعض الآيات القرآنية والأحاديث العِتروية التي تتحدَّث عن وظائف وفوائد المخلوقات في المنظومة التكوينية، مثل قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وقوله تبارك ذكرُه: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).
فكلُّ مخلوق يستند في جانب من جوانب بقائه ونظامه إلى موجود آخر، ولذا كانت الاهتمامات العلمية قبل عصور النهضة الأوربية تدور حول محورين أساسيين، هما:
١/ تعميق المعرفة بالمخلوقات للوقوف على مدى إمكان الوصول معها إلى أعلى مستويات التكامل في معادلة الوجود.
٢/ التعمُّق في البحوث الأخلاقية والقِيَمِية للمحافظة على بروز المائز الأصل للإنسان عن باقي الأنواع تحت جنسه.
بالرغم من قساوة الظلم والجور على طول التاريخ، إلَّا أنَّ المشهد العام كان واضحًا بما يكفي لفهمه وتحديد الموقف منه، ولكنَّنا اليوم، لا نواجه، بل نعيش الطحن المباشر من جميع جهات وجودنا تحت آلة عالمية شرسة بما لا يسعه الوصف.. آلة يُعتبر الجور والظلم بالنسبة لها فضيلة!
إنَّها طاحونة النظام الرأسمالي الذي حوَّل الإنسان إلى مخلوق جشع لا يولي اهتمامًا لغير انتَّاج المال!
أتدرون لماذا يتطور الطب اليوم، وتتطور صناعة الدواء؟
هذا التطور الطبي الهائل هو في الواقع وليد تطور آخر، وهو تطور التطورات المُمرِضة!
الخراف.. الدجاج.. البقر، وكلُّ ما يؤكل لحمه، فهو اليوم يولد وينمو ويذبح في أقل من شهر، وذاك بسبب هرمونات النمو التي تخلط بالأعلاف لتحشى بها أجواف الحيوانات..
نشرب حليبًا لا علاقة له بالحليب، ونأكل جبنًا يباين الجبن، وعسلًا تُغصَبُه النحلة بعد إتخامها بالسُكَّر..
الوجبات السريعة واعتمادها في أصل تكوينها على مخلَّفات الذبائح..
الغازات.. الأسلحة.. الأدخنة.. الإشعاعات.. وغيرها..
ماذا تريدون؟
وجبةً مُشبِعَةً تُحضَّرُ في دقيقة؟
ها هي المعلَّبات تملأ البقَّالات، وما عليكم إلَّا الشراء لبطونكم، ثُمَّ ترتمون في أحضان المرض، ومن بعد ذلك تقصدون صاحب رأس المال؛ فعندَّه الدواء الذي يعالج مرضًا ويخلقُ آخر ليبيعكم دواءً يعالجه، وهكذا تدور طاحونة رأس المال.. وأهلًا بالتطور والتقدم والتكنلوجيا التي تعطينا فوائد وتأخذ منَّا إنسانيتنا..
يُعلِنُ الله تعالى في محكم كتابه العزيز تصريحات إبليس الرجيم:
(وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا).
مع صادق الدعاء
السيد محمَّد علي العلوي
20 من ذي الحجَّة 1437 هجرية
22 سبتمبر 2016 ميلادية