(الشكُّ) والمُشكِّكية) و(الانسداد)

بواسطة Admin
0 تعليق

يدور الحديث كثيرًا حول (الشكِّ) ومذاهبه الفلسفية، وفي هذا الحقل يرى اليوناني بيرو (القرن الثالث قبل الميلاد) تعذُّر القطع بمعرفة الحقيقة، ولذلك فعلى الإنسان عدم الإطمئنان أبدًا لما يملك من معارف، ويذهب بعض الفلاسفة إلى أنَّ الشكَّ ضروري كمقدِّمة داخلة في البناء المعرفي، فالشكُّ عند هؤلاء هو الباعث الطبيعي على طلب الدليل، وأمَّا رائد الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت (القرن السابع عشر الميلادي) فقد اعتمد البرهان الإنِّي في استدلالاته، فاستبعد كلَّ النِسب المعرفية، ولكنَّه لم يتمكن من استبعاد معرفته بنفسه، ومن هذه الضرورة المعرفية انطلق في القسمة بين (إمَّا وإلَّا)، فانتهى إلى رأس المعارف وهو الخالق المطلق الذي يراه خيرًا محضًا.

قد نتَّفق مع فلانٍ من الفلاسفة وقد نختلف، وليس بالضرورة أن يكون هذا أو ذاك كلِّيًا، فقد يكون اتِّفاق في جهات واختلاف في أخرى، ولكنَّ المهمَّ قبل الاتِّفاق أو الاختلاف أن نحيط بمفهوم النظرية وأسسها ومبتنياتها إحاطة وعي وتتبع.

في موضوع فلسفة (الشكِّ) وقع عندنا تداخل كبير بين العناوين مما أدَّى إلى اشتباهات جوهرية في المفاهيم، وهنا شيء من التوضيح:

يتدرج هذا التوجُّه على مستوى النظر في مستويات رئيسية أربعة:

١/ الشكُّ المطلق.
٢/ المشكِّكية الراديكالية.
٣/ المشكِّكية الاستدلالية.
٤/ الشكُّ الطبيعي.

الحاصل عندنا في ما أرى هو عدم، أو ضعف في التفريق بين (الشكِّ) والمشكِّكية وانسداد العلم والعلمي تكوينًا، وحتَّى نُجنب أنفسنا الوقوع في مزالق الخلط، علينا أن نلتفت إلى أنَّ (الشكَّ) هو عدم القدرة على مجرد ترجيح إحدى النسبتين على الأُخرى، وفي (الشكِّ) لا تنتفي النسبة من رأس، ولكنَّها متساوية الطرفين (الوجود والعدم) فيتحقق (الشكُّ) حينها.

وأمَّا المشكِّكية فهي استبعاد النسبة استبعادًا علميًا كمقدمة للتدرج في الاستدلال عليها، كما يقول الكلامي المؤمن الموحِّد المسلم: هل اللهُ موجودٌ؟
ثُمَّ يبدأ بتقسيم الوجود من حيثيات مختلفة يشيد عليها بناءه العلمي، فهو في الواقع لا ينفي النسبة في بداية نظره، ولكنَّه يستبعدها ويعتمد البرهان المنطقي في عمله الاستدلالي، وضابطته دائمًا الدوران بين الوجود والعدم.

وأمَّا الانسداد فهو فقدان أصل العلم (انسداد العلم) أو فقدان الطريق إليه (انسداد العلمي)، وهذا قد يكون لأسباب عارضة، وقد يكون لعلَّة تكوينية.

إذا اتضح ذلك، فلنلتفت إلى أنَّ الشك المطلق هو قول بالانسداد التكويني، ومحصله أنَّ الإنسان غير قادر على تحصيل الحقائق مطلقًا، وما إدراكاته إلَّا متغيرات تفرضها مجموعة من الأطر ثقافية وظرفية ونفسية وما شابه.

وأمَّا المشكِّكية الراديكالية، أو الإمبيريقية الراديكالية، فتذهب هذه المدرسة إلى بقاء (الشكِّ) إلى حين الإثبات العملي الخارجي، فهي ترى نفسها حالة براغاماتية متوسطة في (الشكِّ) على نحو (المشكَّكية).

وأمَّا المشكِّكية الاستدلالية فهي التي تستبعد النسبة وتعتمد البرهان المنطقي في إثباتاتها.

وقد أشرتُ إلى أنَّ الشكَّ الطبيعي هو تساوي طرفي النسبة، ولا مُرجِّح، وبالتالي لا موقف.

المشكلة التي تعانيها مدرستا الشكِّ المطلق والمشكِّكية الراديكالية ضعفها الكبير في الاستدلال على كُبرى القياس، وهي: قصور العقل عن إدراك الحقائق.

هذا مع ملاحظة أنَّهم يسوقون الكثير من الأدلة، غير أنَّها في الواقع العلمي ليست بأدلة، ولكنَّها انشائيات مبنية على تصورات شخصية لا أكثر.

ثُمَّ أنَّهم صادروا الإمكان دون الوقوف على تعريف صحيح لموضوعه، وذلك لانتقاض نظريتهم انتقاضًا ذاتيًا؛ فهم لو عرَّفوا (الحقيقة) التي يقولون باستحالة إدراكها، يكونون قد أقروا إمكان ما للتو منعوه، فاضطروا للمصادرة ومنعوا الحقيقة دون حدِّها.

لستُ بصدد الاستطراد، فالغاية من هذه السطور توضيح بعض الأمور وإتباع ذلك بالتحذير من خطر تكرار الكلام دون وعي للمعنى، ولو أردتُ الاستطراد فيكفي في المقام التفصيل في بحث قوله تعالى (اعلموا) وما يستبطنه من معارف، وهو تكرر كثيرًا في القرآن الكريم، ولكنَّني أُرجئه لمقام آخر إن شاء الله تعالى.

السيد محمَّد علي العلوي
12 جمادى الأولى 1437 هجرية

21 فبراير 2016 ميلادية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.