لن أحتاج اليوم إلى مقدمة تمهد للفكرة التي أريد طرحها، فكوننا في الثامن من المحرم يكفي أن يكون مقدمة لطرح السؤالين التاليين:
الأول: لماذا لم يكن جيش الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثين ألف، وجيش يزيد نيفًا وسبعين؟
الثاني: هل أراد الحسين (عليه السلام) أن يقول لنا بأن القلة الناصرة للحق هي الطبيعة في صراع الحق والباطل؟
يبدو من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، ومن أحاديث العترة الطاهرة كقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه” أن طريق الحسين (عليه السلام) يحتاج إلى نوعية خاصة من الناس تبني أصولها الفكرية على رفض الخسران أولًا، ونذر النفس لعمل الصالحات والتمسك بالحق بدافع الإيمان ثانيًا، والصبر على ما يصيبها من بلايا في طريق الحق ثالثًا، كما وأنها نوعية لا تنظر إلى الكم إذا كان الكيف في علاه.
نفهم الآن أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن لينظر إلى العدد والعتاد بمثل نظره إلى صدق أصحابه وثباتهم على نياتهم، حيث إن في التثبت من هذين البعدين تحقيقًا تامًا لقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)، فقوله عز وجل (مَّا اسْتَطَعْتُم) ظاهرٌ في استفراغ الجهد ولا شأن له بالمتحقق على مستوى الأرقام والإحصاءات العددية، وبذلك نعلم عدم صحة السؤالين المتقدمين.. وعليه: إن كنا ننشد الرسالية الصادقة فإنه من اللازم علينا التركيز على العمل والصدق في العمل، والدقة فيهما، أما مسألة الانجاز فالله تعالى كفيل بها، بل وينبغي لنا عدم المبالغة في الاهتمام بالأرقام؛ لأنها وبكل بساطة لا تغني عن رضا الله تعالى شيئًا، في حين أن الجعل التكويني بالرضا يقع في العمل فقط: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
لو كان الحسين (عليه السلام) منشغلًا بالأرقام المادية لما أقدم على مثل هذه التضحيات الجليلة، ولكنه (عليه السلام) كان مهتمًا بتنمية الروح الرسالية في أصحابه الـ 73، ولذلك هم بيننا اليوم في كل حركة إحيائية نقوم بها..
الآن..
قبل الحديث عن الصدق والعمل والدقة دعونا نسأل أنفسنا: هل نحن نعمل على خط الحسين (عليه السلام) فعلًا؟
هل نرفع الراية التي رفعها إمامنا الحسين (عليه السلام) وهي راية: (طلب الإصلاح في أمة رسول الله “صلى الله عليه وآله”)؟
فلننظر من حولنا ونحن ننتظر خطيب المنبر الحسيني ومن بعده موكب العزاء.. فلننظر من حولنا لنجيب على هذا السؤال: هل أمة محمد (صلى الله عليه وآله) في حاجة إلى إصلاح؟ وأيننا نحن منه إن كانت الأمة في حاجة إليه؟؟
السيد محمد علي العلوي
8 محرم 1432 هجرية
14 ديسمبر 2010