أما أن نعرف (كل) الحسين عليه السلام، فهذا محال تكوينًا، وإنما شأننا المحاولة لإدراك شيئ من (بعضه) صلوات الله وسلامه عليه، وعلى طريق (الشيء من البعض) نستغرق أعمارًا وأجيالًا حتى يفنى الوجود ليبقى وجه الله ذو الجلال والإكرام، وحينها لن نجد غير الحسين وجده وأبيه وأمه وأخيه والتسعة المعصومين بنيه (عليهم السلام) سبيلًا يحتضننا إلى رضوان جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى..
(مِنَ الشيء) تتفتق الفِجَاجُ العميقة عن سيل بشري هادر يتجاوز كل الحواجز قاصدًا الحق الإلهي في بقعة قال عنها زعيم المذهب إمامنا الصادق (عليه السلام) أنها كعرش الله جلَّ في علاه.. كربلاء القدس والقداسة..
سيل بشري ليس في قاموسه غير (إنسان يريد الحسين)، فلا عناية لا بجنس ولا عرق، بل لا أحد يسأل عن دين الآخر فضلًا عن مذهبه.. هي عيون فقطُ شابحة، وقلوب إلى القبة النوراء معانقة، ولا تيار ديني ولا سياسي، نعم ولا مرجعية فلان ولا رأي علَّان..
كل شيء في سجوده على أعتاب الحسين (عليه السلام) غارقُ..
هناك، عند الحسين (عليه السلام).. لا يجرؤ أحدٌ على إثارة فتنة أو خلق زوبعة بين الزوار.. فهو بالفعل لا يجرؤ، وكذلك الزوار لا عناية لهم بغير الحسين وما يخص الحسين..
هذا يلطم، وذاك بالسلاسل على ظهره يضرب، وآخر يركض.. كل في شعائره إلى الحسين وفي الحسين وبالحسين (عليه السلام)..
هل أن الزائرين اتخذوا قرارًا بتجميد خلافاتهم والاجتماع على عنوان واحد فقط هو الحسين (عليه السلام)، أو أنهم عندما جمعوا أمرهم في الحسين (عليه السلام) لم يكن غير واقع واحد فارد هو (أحيوا أمرنا)؟
أنت الخبير فافهم..
لا.. لا.. لا لا نَنْشَغِلَنَّ ببعضنا البعض أيها المؤمنون.. فليعمل كل واحد بما يوافق قناعاته وتحت مظلته المرجعية الشرعية الخاصة..
أنت الخبير فافهم..
إن وجدت من شيعي إساءة أو تَعَدٍّ، فناقش ما يُطْرح دون إثارات لنعرات الشخصنة وفلان وعلان وفلتان..
أنت الخبير فافهم..
كما أنك تدعي لنفسك ما تدعي، فغيرك يدعي لنفسه أيضًا ما يدعي، فلا تحللن لنفسك ما تحرمه على غيرك، ولا تختصرن الحق فيك، فهذا كريه جدًا..
أنت الخبير فافهم..
اطرح رأيك بعلمية ما استطعت، ثم امضي وناقش بهدوء ولا تشتغل بفلان قال وفلان فعل، فبالقدر الذي تضرب الآخرين سوف تُضْرَب يومًا ما..
أنت الخبير فافهم..
من يعتقد أنه فقط الذي يفهم الحسين (عليه السلام) فهو الأهبل المهبول بعينه، وهو ليس أنت، وأرجو أن لا يكون (أنا)!!
أنت الخبير فافهم..
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فلا تظلم إنسانًا باسم الحسين.. لا تتخطى حدود الإنسانية باسم الحسين.. وتذكر أن يوم الحسين (عليه السلام) على الظالمين هو يوم الانتقام الإلهي، ولعمري أي طاقة عليه؟!
أنت الخبير فافهم..
لو أننا نجتمع في الحسين (عليه السلام) فيعمل كل منَّا تحت مظلته المرجعية الشرعية الخاصة دون تنازعات وتصادمات فإنني أقطع حينها جازمًا بأن حولًا واحدًا لا أكثر يفصلنا عن قيادة العالم بأسره قيادة إبداعية لم يشهدها التاريخ..
أنت الخبير فافهم.. هل نفهم؟