أمرٌ عظيمٌ ذاك الذي أقدم عليه نفرٌ تحت قيادة عليا عندما هجموا داراً كان رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يدخلها إلى مستئذناً مستئنساً بكلمات الترحيب التي تنطلق أزهاير عبقة من قلب طاهر هو قلب الزهراء البتول بضعة المبعوث رحمة للعالمين (صلوات الله وسلامه عليها)..
إنه أمرٌ عظيمٌ أن يتجرأ واحدٌ بعصر فؤاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بين الباب والحائط، وإنه لأمر عظيم أن يرفع أحدُ الأراذل يده لينزلها صفعة على أطهر الوجوه وأشرفها، وإنه لأمر عظيم أن يتلوى سوط غادر خبيث على جسد عقدت نطفته من ثمار الجنة..
إنه من عظيم الأمور أن توكز الزهراء الطاهرة بغمد سيف حتى تسقط جنينها الطهر الطاهر ليبقى الحسنان بعد أن راح محسنا، ومنها أيضاً أنها (صلوات الله وسلامه عليها) تخرج في عقب أسد الله الغالب، علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) خوفاً عليه من اغتيال المجرمين فترفع كفها الطاهر بالدعاء على القوم حتى ارتفعت به حيطان المسجد وكاد أن ينزل العذاب على القوم لولا كان امتداد الرحمة المحمدية في خليفته بالحق أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فجاءها سلمان المحمدي مرسولاً ليصدع بها قانوناً لا ياتيه الباطل: (ياسيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة، فلا تكوني نقمة).
كل هذا وبين يدي الأحداث تغصب الزهراء (عليها الصلاة والسلام) حقها في فدك، والإسلام حقه في خلافة الحق العلوية الراشدة، ويُكذب القرآن العظيم بتكذيبهم البضعة الطاهرة حين طالبت بفدكها..
نعم، كلها وقائع عظيمة أحدثت ما أحدثت في تاريخ أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، ولكنها وبشيء من التدقيق قد لا تكون مُستغربة بلحاظ حمَّاليها، وبلحاظ آخر تقف السموات والأرضون ومافيها، ومن فيها في حيرة وذهول ليس بسبب نفس الوقائع والأحداث، ولكنه بسبب السكوت القاتل إلا من قلة قليلة قد لا يتجاوز أفرادها عدد أصابع اليدين!!
نعم، هنا الأمر العظيم حقاً، فالخلافة تُغتال، والزهراء (عليها الصلاة والسلام) تضرب وتلطم ويسقط جنينها، والحسن (عليه الصلاة والسلام) يتجرع سم الغدر والخيانة، ورأس الحسين (عليه الصلاة والسلام) يهدى إلى طاغية الطغاة يزيد (لعنه الله)… وتستمر المآسي والكوارث ويبقى (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
إنه وبعد قرون من الزمن ينبغي لنا أن نفهم جيداً بأن مشكلتنا ليست مع شخوص أبداً، فليس مما يعنينا فلان أو فلان أو غيرهما، ولكن قضيتنا الكبرى هي قضية حق وباطل على نحو المواجهة الدائمة، لا الاستذكار الخامل لفعلة هذا أو قبح ذاك. نعم نحن نقرأ في زيارة عاشوراء المقدسة (اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني، وابدأ به أولاً ثم الثاني والثالث والرابع، اللهم العن يزيد خامسا، والعن عبيد الله بن زياد وابن مرجانة وعمر بن سعد وشمرا، وآل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان إلى يوم القيامة)، إلا أن هذا ليس تغنياً أو استرضاء روح رافضة وتخديرها حتى حين، ولكنه إرادة استنهاض لتلك الروح ومشروع حراك تصحيحي يؤمن بالتضحية ويعتقد بها ركيزة أصيلة في الثقافة الرسالية الصادقة.
إن قضية الزهراء (عليها الصلاة والسلام) لم تتوقف عند باب دارها الشاهد، ولكنها تتكرر في كل عصر من عصور الابتلاء، والمشهود اليوم هو ان ذات السكوت هناك يتكرر اليوم، فلا ظالم يُردع ولا مظلوم يُنتصر له إلا في حدود ضيقة كتلك التي خلَّدها أبوذر وسلمان ومن كان معهما من أبطال الرسالة.
إن ماجرى على الزهراء (عليها الصلاة والسلام) كان مجراه على الحق باستبداد الباطل، وعلى الإيمان بتجبر الكفر، وعلى التقوى والورع بقذارات الشهوات والأنا، وهذا ما نشهده اليوم في مجتمعاتنا من البيت وحتى القرية فالمدينة والبلد والإقليم فالعالم من أوله إلى آخره، والمُرُّ أنه لا من غيرة تنتفض على هذا الواقع فتعقد العزم على التضحية من أجل بقاء كلمة الحق، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فالقائم حاكي وإليك القليل…
شعارات كثيرة وأفعال قليلة.. مساجد في شوق إلى جباه الساجدين.. حجٌّ يبحث عن حجيج..
وفي المقابل..
حانات ومراقص تضيق بروادها من كثرتهم.. مجمعات وشوارع خُصصت للمغازلات والتعارف.. موضات مهينة من (لو ويست وسبايكي وو).. مجالس لا رواد لها لولا الغيبة والنميمة..
ليس الأمر إلا أن المساجد هي جسد الزهراء (عليها الصلاة والسلام)، والباب نداءات سلمان، أما العصرة الغادرة فهي المراقص والأغاني والموضات السخيفة .. وتطول القائمة..
السلام عليك سيدتي ومولاتي يافاطمة الزهراء، هناك ظُلمتي وهنا تُظلمين، فحسبنا الله ونعم الوكيل على كل متصنع كاذب منافق..
السيد محمد علي العلوي
14 جمادى الأولى 1431هـ
28 إبريل 2010