عين وعين..

بواسطة Admin
0 تعليق

كنت في بعض السنين الغابرة قد اتخذت موقفاً حاداً في مناقشة بعض الأفكار غير المألوفة والتي يتبناها أحد المفكرين الإسلاميين إلى درجة أنني خصصت يومين من كل أسبوع لعقد جلسة مفتوحة أطرح فيها آراءه وأنال منها طولاً وعرضاً، مبرراً ذلك بحميتي وثورتي للحق على الباطل، وانتصاري للدين والمذهب في وجه العابثين بـ (ثوابتنا)!!

والغريب أن الجلسات التي كنت أعقدها أسبوعياً تميزت بكثافة الحضور وعلو أصوات التطبيل والتصفيق لما كنت (أبدعه) في هجماتي على ذلك المفكر الإسلامي.

في يومٍ وأنا أراجع بريدي الإلكتروني وصلتني رسالة من إحدى المؤمنات كان قد وصلها خبر جلساتي الأسبوعية، قالت فيها:

بعد السلام، أرجو لو تتعلم فن النظر (بعين) النسر وهو يحلق عالياً لتنعكس في قاعدة بياناته كل الزوايا الممكنة من الموضوع المستهدف، ولا تكن أبداً كذاك الذي لا ينظر إلا من زاوية واحدة فتفوته زوايا وزوايا.

كانت هذه الرسالة مرآة صادقة جداً كشفت لي عن تشوهات فكرية متقيحة سكنت صدري طويلاً فضلت وأضلت دون شعور مني ولا إحساس.. فواحسرتاه ثم واحسرتاه على أوقات كنت فيها مصداقاً أبرز لقوله تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)..

الآن وبعد مضي قرابة العشر سنوات على تلك الأيام البائسة، آتيكم هنا بنصيحة الأخت المؤمنة التي صنعت في مسير حياتي منعطفاً إيجابياً تعلمت فيه كيف انظر إلى المواضيع بعين شمولية تمكنني من الظفر بأدق الأحكام والفوز بأكثر التشخيصات الموضوعية استقراراً ولو على مستوى الشعور النفسي لي خاصة.

إن ما نعانيه اليوم من إخفاقات على مختلف الأصعدة هو لأننا لا نتقن فن النظر بعين النسر وهو يحلق عالياً، فالواحد منا ينظر إلى الحدث من زاوية واحدة يعتمدها في إصدار حكمه على كل الموضوع، وهذا من كبريات الجرائم التي نرتكبها في حق أنفسنا ومجتمعنا وديننا، وهذا ما نتيقنه عندما نسجل حالات الإنحراف الأخلاقي في المجتمع بعد أن فُرغ التدين من أسمى معانيه الرسالية فتحول إلى حالة من التكفير والتضليل واللعن والسب استتبعه تغير في لون التدين حتى ان حالة (التوهب) أصبحت (دولية) وشرط في قبول الأطروحة (اللافكرية)!

أما السبب فهو لأن (أحدهم) قد فرخ الشيطان في صدره فأصبح لا يرى إلا بمنظور داخله الذاتي حاصراً نفسه بين مجموعة من الزوايا الحادة التي تمنعه من الاشتمال على أكبر قدر من أطراف الموضوع، وبالتالي كانت أحكامه واحدية اللون، حدية المزاج، مدمرة الطابع والسمة، لا يهمه إلا إبراز ما تُسيلُهُ أنيابُه من دماءِ المخنوقين بكلامه المؤذي وأحكامه الظلامية..

في هذه المرحلة نحن في حاجة ماسة إلى مراجعة سيرة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) لنتعلم فن التعامل مع الأحداث ومهارة القراءة الشاملة، والتمكن من فهم قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): من خاف الناسُ لسانَه فهو في النار.

كما وينبغي لنا دائماً تذكر أن دائرة الإساءة واسعة جداً، ونارها لا عقل لها ولا إدراك، فهي شيطانية الصنع، جهلائية التنفيذ، فإياك إياك والوقع تحت سطوة مخالبها..

السيد محمد علي العلوي /

16 ربيع الثاني 1431 هـ

1 إبريل 2010

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.