فلسفة البحر..

بواسطة Admin
0 تعليق

في بداية أيام الأسرة الآدمية الأولى على وجه البسيطة كان قابيل (القاتل) قد احترم نفسه المدركة العاقلة لدقائق معدودة، فتعلم من الغراب (الحيوان) كيف يواري أخاه هابيل (المقتول) تحت التراب كما وارى الغراب ميتته.

وفي زمننا المعاصر تابع (من يحترم  انسانيته المدركة العاقلة) السمكة وهي تشق المحيطات بذيل وزعانف، فأنتبه وصنع لنفسه مثلها حتى تمكن من اقتحام ظلمات البحار مكتشفاً لألوانٍ وألوان من المعارف المحتجبة والكنوز المرتمية في أحضان المياه المالحه.

وفي يوم (من أيام الدنيا) همس البحرُ صارخاً في آذان القلوب النابضة مُخبراً حاكياً …

دفنوا مني شطراً .. لوثوني بزيوت بواخرهم .. لم تتوقف عني قاذوراتهم …

لم تعجبهم شواطئ رسمها بديع السموات والأرض، فاستبدلوها بأسفلت وطوب!!

ولازالوا… لا زالوا يحصرون امتدادي في ألسنةٍ وأكمامٍ وجيوبٍ رملية وزفتية… فكم هم ظلموني ويظلمون؟!

ولكنني أنا البحر سأبقى ملتزماً الوفاء للطبيعة بما تشتمل عليه من أجناس المخلوقات وأنواع المبدعات، ولن اتغير عليك أيها الإنسان مهما استطالت يدك الباطشة على مياهي الآمنة.. سأبقى حاملاً للخيرات وممداً إياك بأصناف النعم والبركات، ثم إني أعاهدك أن أبقى متسامحاً معك إلى لا حدود، فميزان الأرض لا يحتمل مني نكوصاً أو خيانة..

مع هذا البيان البحري اللطيف تَنَّشَزَ آدميٌ فقال: وماذا عن غدرك أيها البحر؟

قال البحر: لا تصفني بالغدر يا هذا، فأنت الذي تجهل احتضاني عند الزلازل والهزات!!

طار الغرابُ وأغورتْ الأسماكُ، وبقي البحرُ معطاءً منتظراً لإنسان يتعلم منه مهارة الصمود وأخلاقيات العطاء.

إنه أنت وهي وأنا الذين نعيش زمن الأدغال واللا آدمية المفرطة، نحتاج في صميم فكرنا إلى ثقافة البحر المعطاء دائماً، ولإدراك هذه الحاجة الملحة فإننا نبحث في هذه السطور عن إنسانيتنا حتى نفهم أننا هنا في هذه الحياة الدنيا لسنا لشئ غير العطاء والعطاء والعطاء دون انتظار لمقابل سوى رضى الله تعالى (يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي)، ومن الواضح أن رحلة العطاء هذه لا تستقيم إلا بالذوبان فكراً وسلوكاً في ثقافة العفو والتسامح والتجواز؛ ففي ذلك إنطلاقة الروح الوثابة وطمأنينة القلب الخلاق.

ومن جانب آخر فإن الإحساس بعظم المسؤولية وخطر المشروع الأكبر من شأنه أن يدفع العاقل نحو العمل وفقط، دون التشميع على أخطاء الآخرين وسلبياتهم، فالقضية جادة ولا تحتمل غير الوعي والمضي على طريق أئمة العمل الرسالي (عليهم الصلاة والسلام)، خصوصاً إذا علمنا بأن دفن البحر مستمر والتزفيت قائم على قدم وساق!

فيا أيها النابض الرسالي الصادق، هذا هو البحر، وبين يديك رسالة الدولة المهدوية القادمة… والقرار لك …

السيد محمد علي العلوي /

9 ربيع الثاني 1431هـ

25 مارس 2010

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.