لا أذكر أنني تشرفت يوماً بلقاءه، بل ولا أتمكن حتى من تذكر لحظة عانقت عيناي فيها سيماء الإيمان على وجهه المنير، ولكنني أحببته وكأن شيئاً من جهة التكوين يشدني إليه.. إنه الشاب المؤمن الحاج علي جوادي (رحمه الله) الذي ارتمى في أحضان العلياء عندما لامس جسدُه الأرضَ مودعاً ومستقبلاً في نفس اللحظة.
لا أدري من يُقَلِّدُ، ولا أعرف شيئاً عن توجهاته السياسية، بل ولم ليهمني السؤال عن مبانيه الفكرية، ولكنني أحببته فأصبحت أتوقف عند كل صورة له علقها محبوه على بعض الجدران في منطقة المحرق، أتوقف متأملاً بعض الرسائل التي أقرأها بوضوح في ابتسامة تارة، ونظرات عينيه تارة أخرى، فأي سر في هذا الانجذاب لشخص لا أعرفه؟
قال أمامنا ومولانا الصادق (عليه الصلاة والسلام): المؤمنون أخوة بنو أب وأم، فإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر الآخرون.
نعم، هذا هو السر في انجذابي للمرحوم علي جوادي، إنه الإيمان بالله تعالى والولاية للأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، إنه الإيمان بمحور المشروع الإسلامي الأكبر.. إنه الإيمان بالحسين (عليه الصلاة والسلام)، فهو (رحمه الله) آية من آيات أبي عبد الله الحسين (عليه الصلاة والسلام)، عاش فدل عليه، وحيا برحيله فدل عليه، وما من شيء دل على السبط الشهيد (عليه الصلاة والسلام) إلا وكان بالتلازم دالاً على الواحد القهار سبحانه وتعالى، فالسلام عليك سيدي يا أبا عبد الله الحسين.
نشر المرحوم علي جوادي رسالة لكل من يلقي السمع وهو شهيد مفادها أننا كلنا جميعاً لا يمكن أن نكون إلا أحباباً متلاحمين تحت راية الولاية والتسليم لله تعالى ورسوله وأئمة الحق (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ولا يمكن أن نختلف في هذه الثوابت التكوينية، فلماذا إذاً لا نجعل هذا الاتفاق على الأهم مطلقاً منطلقاً لنا في رحلة من التفاهم والتقبل بعيداً عن العصبية والتعصبات والتأزيمات؟
إنه ليس من شيء إلا ويركع خاشعاً متصاغراً أمام قانون الولاية المطلقة للأئمة الهدى (عليهم الصلاة والسلام)، أفلا نفهم أن رحيل الأخ المؤمن علي جوادي يعني أن الحسين (عليه الصلاة والسلام) أكبر وأقوى وأمتن من أي مرجعية دينية أو تيار فكري مهما تعالت رايته أو امتدت فكرته؟ و (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) ومتى نعلم ونفهم أنه (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)؟
لله درك يا علي جوادي فقد أديت الأمانة ووصلت الرسالة، فرحمك الله وجعلك من اللاحقين بأوليائه الصالحين، إنه سميع مجيب.
السيد محمد علي العلوي
12 صفر 1431هـ
27 يناير 2010