مرةٌ نحن من يصنع واقعنا الذي نعيشه ونحيا ظروفه، وفي ذلك يقول المولى تبارك ذكره (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) وهذا النوع من الواقع يبقى تحت سيطرتنا ولو بمستويات متفاوته، فهو المعني في قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، ولكن هذه السلطة التي منحنا الله تعالى إياها على جزء كبير من واقعنا لن تجد لنفسها مسلكاً يصقلها ويبرز قوتها إن لم نستشعر ضرورتها في حياتنا وكونها نعمة عظمى من الباري جل شأنه، ولذلك كانت منه سبحانه تنبيهات تكوينية هي في حياتنا واقعيات شاء أن يجعلها خارج حدود سلطاننا الدنيوي، وعلى رأي هذه الواقعيات ياتي منبه الموت الذي قال عنه الباري تبارك ذكره (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقال (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ).
إن هذا الأجل المحتوم هو في حد ذاته مشروع أكبر في حياة كل واحد منا، فليس من شيء نضمن حدوثه غيره، ولاشيء نقطع بعدم إمكان الفرار منه إلا هو، وإذا كان الأمر هكذا فليس إلا قلة عقل أن لا نلتفت إلى ما نحن فيه وإلى أين وكيف حالنا سوف يكون.
ألا نرى –أيها الأحبة- كيف هي الثواني تقطع اوصال اعمارنا دون أدنى تراجع أو تكاسل؟
أوليس في القلب ناقوس خطر يقرعه قول أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى.
إنها ساعة لا فرار منها، وهي الواقع الحق الذي جعله المولى جل شأنه منبهاً لكل عاقل يفهم أن وجوده في هذه الحياة الدنيا إنما كان لسبب وغرض وظيفي قدره الله تعالى وجعل منتهاه إما إلى جنة عرضها السماوات والأرض وإلا فنار لا تطيقها حتى نفسها، وفي هذه الدنيا يتخذ القرار، فإما إلى هذا وإلا فليس غير ذاك –والعياذ بالله-.
في هذه اللحظة –أيها الأحبة- يجدر بنا اتخاذ القرار الحاسم لأمر تعلقنا بهذه الدنيا والحازم في توجيه طاقاتنا من اجل نيل رضا الله تعالى، وهذا يعني أن نبادر سريعاً بمحاسبة صريحة مع النفس للوقوف على أخطائها بحاكمية القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة، ففيهما كل خير بين وصلاح أوضح من الشمس وأجلى من أمس، وكل هذا لا يحتاج منا إلا لقراءة وتدبر وتواصل إيماني فيما بيننا حتى يشد كل واحد منا على يد الثاني فنسير جميعا على خطى أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) في طريق الفوز الأبدي برضا المولى جلَّ شأنه، أما إذا كان منا الإصرار على معاندة الحق بتصليب القبضة على حبائل هذه الدنيا الفانية فـ ….
اعلموا –أيها الأخوة والأخوات- أن انفاسنا هي هي خطواتنا نحو الممات، وأن هذه الأعمار التي تصرمت والعقود التي مرت والقرون التي مضت ليست إلا ثوان تعانقت فشكلت هذا الزمان، وهذه الثواني هي التي نعيشها نحن اليوم، فهل من متعظ؟
السيد محمد علي العلوي
5 صفر 1431هـ
20 يناير 2010