لسنا في شك أبداً، فهو محفوظ من رب العزة الواحد الأحد (سبحانه) الذي قال في شأنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ثم أنه (عز وجل) قد أخبر بأن الكتاب العزيز هو كتاب هداية لمن أراد الطريق القويم، فقال: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وليس من المعقول أن يجعل الله (تبارك ذكره) للناس كتاباً على هذا المستوى من الأهمية ولا يتعهد حفظه من أيدي العابثين. فالقرآن هو كتاب الله المحفوظ الباقي طاهراً نقياً.
ولكننا وبعد التأسيس على هذه القاعدة الحقة يبدأ الشك يداخلنا في الأحاديث والروايات التي تصلنا منسوبة لأهل بيت العصمة (عليهم الصلاة والسلام)، فنحن لا نعلم أيها صادر بالفعل عن جهة العصمة المقدسة وأيها ملفق مكذوب، كما أننا لا نضمن دقة النقل والضبط وماشابه، وحتى نخرج من حيرتنا تلك جاء نواب الإمام المهدي المنتظر (روحي فداه) فوضعوا القوانين والقواعد الخاصة بفرز الصحيح من الأحاديث عن سقيمها، فاستقام الحال على ذلك وتحقق معنى التمسك بالثقلين، كتاب الله وعترة النبي الأكرم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
من بعد ذلك وصلنا إلى معضلة أخرى وهي معضلة الأحكام الشرعية، فالقرآن والأحاديث تحتاج إلى من يفهمها جيداً بحيث يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية لتكون حجة على الناس من الله (عز وجل)، فتم الأمر للفقهاء المراجع، وكان عندنا ثلاث مستويات من المسلمات (في الأصل والأساس) أولها القرآن الكريم وثانيها الأحاديث الصحيحة عن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) والرسائل العملية للفقهاء المراجع. ومادون ذلك فهو في حاجة إلى مراجعة دائمة وتثبت.
حديثنا اليوم حول كل ماهو دون المستويات الثلاثة، وما أريد قوله هو أن الدين والمذهب كان ولازال وسيبقى عرضة لمحاولات التخريب الشيطانية (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، فهذا هو المحقق الحق لمعادلة الامتحان الإلهي في هذه الأرض، ولذلك ينبغي لنا أن نعي جيداً عظم مسئولية المراجعة الدائمة لما نتوارثه من قناعات تنقلب بفعل التوارث إلى مسلمات يرفض المجتمع مجرد التطرق إليها بنقد أو حتى نقاش ولو كان هادئاً، بل وأكثر من ذلك فإن المتعرض لها يتهم بمحاربة الدين تارة وبالعمالة والخيانة تارة أخرى، وكل ذلك يحدث في الوقت الذي لو تخلص فيه الناس من قيود (المواريث الطارئة) وبحثوا دقيقاً في واضحات القرآن الكريم وجليات الأحاديث الشريفة لوجدوا أن جملة مما يتمسكون به اليوم على أنه من الثوابت الراسخة ليس إلا طارئ وافق بعض الظروف الزمانية لمكان ما وانتقل مع الأيام حتى تحول إلى معيار للدين والتدين. لذا فإنني أوجه دعوة صادقة للجميع بأن نرجع إلى تدبر القرآن وأحاديث أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) بعيداً عن الضيق في النظر والحدية في الفكر. إن أفق المعرفة رحب واسع فلا نضيعه بعصبيات حمقاء.
السيد محمد علي العلوي
10 من ذي القعدة 1430هـ
29 أكتوبر 2009